أحمد عوض
لم تكن الأزمة المالية التي ضربت الأسواق المالية خلال الأسابيع الماضية نتيجة لانهيار وإفلاس عدد من أكبر المصارف وشركات التأمين العالمية سوى أعراض أولية لأزمة عميقة قادمة تهز اقتصاديات الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة.
لقد كانت ردود فعل البورصات العالمية على الجرعة العالية من السيولة النقدية التي تم ضخها في الأسواق من قبل السلطات النقدية في الدولة الكبرى مهدئاً سريعاً ومؤقتاً في ذات الوقت ، فسرعان ما عادت وانخفضت مؤشرات البورصات ، وهذا رد فعل منطقي لأن العلاج لم يستهدف المشكلات الاقتصادية التي قادت الاقتصاد العالمي وخاصة الأمريكي إلى الوضع الذي وصل إليه. فالأزمة المالية التي يشهدها العالم حالياً هي جزء رئيسي من أزمة اقتصادية أوسع ، بدأت تضرب مختلف مكونات وبنى الاقتصاد العالمي ، نجمت عن دخول هذه الاقتصاديات حالة من الركود التضخمي بعد سنوات من النمو المريح ، وكانت مشكلة الرهن العقاري من أهم العوامل التي عجلت في حدوثها.
وقد ساهمت المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي الذي يعد أكبر الاقتصاديات في العالم في تفاقم أزمة الاقتصاد العالمي ، حيث الارتفاع الكبير في الإنفاق الحكومي الأمريكي بسبب الموازنات العسكرية الضخمة لتمويل الحروب التي تقودها امريكا ، الأمر الذي أدى إلى تفاقم عجز الموازنة العامة ، وارتفاع الدين العام ، وساهم في تخفيض كبير في أسعار صرف الدولار أمام مختلف العملات الرئيسية ، إلى جانب الارتفاع الكبير وغير المبرر في أسعار النفط والغذاء.
ولعبت مختلف هذه العوامل إلى جانب تغول آليات عمل وأدوات الأسواق والبورصات على مجريات الأحداث وقيادتها في مختلف الدول الاقتصادية المتقدمة دون تدخل ورقابة الدول ومؤسساتها ، في إطار تطبيق أحدث فلسفات الليبرالية الاقتصادية.
ومن العوامل التي دفعت باتجاه تفاقم الأزمة التي نشهد حالياً بعض مظاهرها ، التطورات السريعة في عالم الأعمال والتداخلات والتعقيدات التي أصبحت تتسم بها ، الأمر الذي خلق فرصاً كبيرة لتحقيق أرباح سريعة ، إلى جانب أنها توفر بيئة خصبة لمخاطر كبيرة ، لم يوازها إجراءات ملموسة في آليات وتقنيات إدارة المخاطر التي يمكن أن تنجم عنها ، على الرغم من إصدار مئات ، إن لم يكن آلاف الدراسات التي تم إعدادها في موضوع إدارة مخاطر الأعمال في السنوات الأخيرة.
لذلك من غير المتوقع أن تؤدي الاجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية الكبرى في العالم مؤخراً إلى حل مشكلة الاقتصاد العالمي ، فهي ستلعب دوراً في إعادة الثقة في أسواق المال ووقف نزيفها فقط ، والمطلوب أعمق من ذلك بكثير. فالمطلوب إعادة النظر بالنظام الاقتصادي الدولي ليصبح أكثر عدلاً ، وإعادة التفكير بالسياسات الاقتصادية التي تشجعها بل تفرضها المؤسسات الدولية ، وعلى وجه الخصوص صندوق النقد والبنك الدوليان ومنظمة التجارة العالمية ، التي أدت إلى إضعاف أدوار الدول في تنظيم وإدارة الاقتصاديات الوطنية ، والحد من هيمنة عقلية رجال الأعمال في إدارة الدول والمجتمعات.
صحيفة الدستور الأردنية، 2008/9/25