أحمد عوض
بعيدا عن التنظيرات المتعلقة بالأسباب الكامنة وراء الأزمة الناشئة حول أوكرانيا، وما إذا كانت روسيا تدافع عن أمنها القومي بعد توسع حلف شمال الأطلسي إلى حدودها المباشرة، و/ أو ترغب بأن يتم التعامل معها باعتبارها قوة عظمى في أوروبا، وغيرها من الأسباب التي دفعت بالأزمة إلى مقدمة الأزمات العالمية.
جاءت هذه الأزمة على وقع عدم قدرة العالم على الخروج من الأزمة الصحية التي نجمت عن استمرار تفشي جائحة كورونا بطبعاته المختلفة، وتداعياتها الاقتصادية التي ضربت بعمق مختلف الاقتصادات العالمية.
فأسعار المواد الغذائية الأساسية تحلق عاليا، وتكاليف نقل السلع تضاعفت، والضغوط التضخمية (ارتفاع الأسعار) تدفع ثمنها جميع الدول، وبشكل أكبر الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل وشعوبها.
دفعت حالة الاستقطاب الدولي التي تدور حول أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، إلى مستويات عالية جدا، وهي مرشحة للارتفاع أكثر فيما إذا استمرت “طبول الحرب” تقرع.
ومن المتوقع أن تنعكس الارتفاعات في أسعار النفط والنقل والمواد الغذائية الأساسية على مستويات الأسعار في الأردن، وكما هو معروف، فإن أسعار المشتقات النفطية في الأردن وصلت الى مستويات من الصعب أن يتحملها الغالبية الكبيرة من المواطنين، فما بالنا ونحن ننتظر زيادات أخرى عليها؟!.
ما يجري من اضطراب في البيئة السياسية والاقتصادية العالمية يوجب أن يعيدنا إلى أولى أولويات الحكومات، بحيث يتم بناء منظومات حماية تقي الغالبية الكبيرة من المواطنين من تداعيات هذه البيئة المضطربة. بالسعي لتوفير حدود دنيا من الإجراءات الوقائية التي تحول دون وقوع مواطنيها ضحايا لظروف دولية ليس لهم فيها أي دور أو ذنب.
علينا أن نعطي أولوية قصوى لبناء شبكات حماية تخفف من آثار ارتفاعات الأسعار على الوقود (شريان الاقتصادات الأساسي) والعوامل الأخرى مثل النقل وأسعار الغذاء، على المستويات المعيشية للمواطنين.
عندما نقول ذلك، نحن لا نطالب بالمستحيل، شبكات الحماية الشاملة والمتماسكة هي التي تحول دون وقوع ذوي الدخل الضعيف والمتوسط في جائحة الفقر، وتستمر في المحافظة على مستويات معيشية كريمة لهم.
نظم الحماية الاجتماعية لا تقصُر على توفير المساعدات النقدية والعينية للفقراء كما هو معمول به في الوقت الراهن، بل تتسع لتشمل شبكات منظومة صحية متقدمة تسمح للجميع بالوصول إليها بسهولة، وهي تشمل أيضا منظومة تعليم جيدة تبدأ من التعليم ما قبل المدرسي إلى الجامعي، ولا يعتمد الوصول إليها على القدرات المالية لأسر الطلبة، بل لقدرات الطلبة المعرفية والمهاراتية.
كذلك، نظم الحماية الاجتماعية الأساسية تتسع لتشمل توفير منظومة نقل فعالة بكلف ميسرة لجميع الراغبين باستخدامها، إلى جانب توفير إسكانات بأعداد كافية لجميع محتاجيها بأسعار التكلفة وتدار من قبل الدولة.
نحن لا نقول إن ذلك يحصّن الجميع من التأثر بالعوامل دائمة التغير في العالم، لكن، بالتأكيد، يخفف من الآثار السلبية التي يمكن أن يتعرض لها المواطنون عند تعرضهم للأزمات.
بقي أن نقول إن بناء نظم حماية اجتماعية شاملة ومتماسكة لا يحتاج إلى موارد مالية أكبر من قدرة الدولة، بل يحتاج إلى تبني خيارات وسياسات لتحقيق ذلك، وأن يفكر رجال ونساء السياسة باعتبارهم/ن يقودون دولا وليس شركات، فإدارة الدول تختلف كثيرا عن إدارة الشركات.
صحيفة الغد الأردنية، 2022/1/31