أحمد محمد عوض
تشير التعديلات التي أجرتها لجنة الاقتصاد والاستثمار على الصيغة التي قدمتها حكومة “الرزاز” من قانون ضريبة الدخل أنها طورت صفقة “بالمفهوم الإيجابي” للصفقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أخذت فيها بعين الاعتبار المصالح المباشرة لبعض الأطراف ذوي العلاقة.
ويبدو أن هذه الصفقة حصلت على موافقات حكومية مسبقة -رغم اعتراضات الحكومة الإعلامية- بعدم اعتراض تمريرها في مجلسي النواب والأعيان، طالما أنها لم تمس جانبا أساسيا من جوانب القانون المتمثلة بالصيغة الحكومية للتصاعدية، والتي تحرص الحكومة على عدم تغييرها كي لا تصطدم مع كبار رجال الاعمال.
إلا أن هذه “الصفقة” جاءت منقوصة، ففي الوقت الي تضمنت صيغة التعديلات التي دفعت بها اللجنة الى الأمانة العامة لمجلس النواب زيادة في الإعفاءات على الأشخاص الطبيعيين، سواء على دخل الأشخاص الطبيعيين المعفى من ضريبة الدخل، وإعفاءات على استهلاك أفراد الأسرة بسقف ألف دينار لكل فرد وبحد أقصى ثلاثة أفراد، إلا أن الصيغة المقدمة خالفت أحد مبادئ العدالة الضريبية، حيث اعتمدت مفهوم الحكومة لمبدأ التصاعدية، حيث الشرائح الضيقة، واقتصار تطبيقها على شرائح الطبقة الوسطى وعلى الأشخاص الطبيعيين.
وهذا لا يقلل أهمية الإعفاءات التي تم إضافتها، ولا ربط عدد أفراد الأسرة بمعادلة الإعفاء، ولا أهمية ربط الإعفاءات بتقديم فواتير – لأن ذلك يشجع الأفراد على طلب فواتير من مقدمي السلع والخدمات – ولا يقلل ايضا أهمية الإعفاءات التي تم إقرارها للأشخاص ذوي الإعاقة.
وهنالك بعض الجوانب في الصيغة الحكومية للتعديلات على قانون ضريبة الدخل كان على لجنة الاقتصاد والاستثمار فتحها، لتحقيق مبدأ الاستدامة والاستقرار للقانون، لأن من شأن عدم معالجة مشكلة غياب العدالة عن القانون أن يدخلنا في أزمات اجتماعية وسياسية في المستقبل.
كان على لجنة الاقتصاد والاستثمار إعادة النظر بمديات الشرائح على الأشخاص الطبيعيين باتجاه توسيعها لتعكس معدلات الدخول الحقيقية في الأردن، ولتشمل الشرائح التي يزيد خلها عن 38 ألف دينارا سنويا، فالصيغة القائمة حاليا ليست تصاعدية بما فيه الكفاية، ولا تعكس واقع الدخول في الأردن.
وكان على اللجنة كذلك توسيع نطاق تطبيق التصاعدية ليشمل الأشخاص الاعتباريين “منشآت الأعمال”، وعدم اقتصاره على الأشخاص الطبيعيين، لأن هنالك تفاوت كبير في قدرات منشآت الأعمال داخل القطاع الاقتصادي ذاته على تحقيق الأرباح، إذ من غير العادل إخضاع مجمل منشآت أي قطاع اقتصادي بذات النسبة، وهذا يتعارض مع فكرة التصاعدية التي أكدت عليها المادة 111 من الدستور، ويتعارض كذلك مع مبادئ العدالة الضريبية.
كذلك من غير العدل التعامل مع القطاع الزراعي باعتباره وحدة واحدة، فهنالك منشآت زراعية صغيرة بحاجة إلى اعفاء دخولها من ضريبة الدخل، وهنالك منشآت كبيرة على القانون اخضاعها للدفع، ومعيار المليون دينار الذي اعتبرته اللجنة النيابية حدا للتفريق بين منشآت الأعمال الزراعية التي تستحق الإعفاء أو اخضاعها للضريبة ليس واقعيا، وبالتأكيد هو أقل من ذلك.
نعم مطلوب أن نبني قانونا لضريبة الدخل يقوم على تسويات اجتماعية، ترضي أكبر قدر ممكن من الشركاء الاجتماعيين في بلدنا، ولكن علينا أن نعود مرة أخرى إلى الأسباب الحقيقية التي أدت الى تفاقم اللامساواة الذي نعيشه في الأردن، وأدت إلى زيادة رقعة الفقر والتهميش.
ان غياب العدالة الاجتماعية هي المشكلة الأساسية، وعلينا معالجتها بدءا من قانون ضريبة الدخل، ثم الضريبة العامة على المبيعات وغيرها من الضرائب غير المباشرة التي فاقمت هشاشة مجتمعنا، ثم السياسات الأخرى التي تؤثر على المستويات المعيشية للمواطنين.
صحيفة الغد الأردنية، 14 تشرين الثاني 2018
