Home » مقالات » النقابات المستقلة والجديدة .. حقائق وأوهام

النقابات المستقلة والجديدة .. حقائق وأوهام

الكاتب: أحمد عوض / مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية

كان اللقاء الذي عقده المجلس الاقتصادي الاجتماعي بتاريخ 17 ايلول 2012 واستضاف فيه وزير العمل بحضور ما يقارب خمسين شخصية من المهتمين بقضايا العمل في الأردن، فرصة للتعرف على ما يدور في عقل المسؤولين الحاليين والسابقين والمهتمين بالشأن العمالي وسوق العمل الأردني.
ما لفت الانتباه في الحوار الثري والمطول بين وزير العمل والحضور بعض الأفكار غير الدقيقة التي تم تداولها حول النقابات الجديدة والمستقلة، ولم يسعفنا وقت الجلسة الحوارية لتوضيحها، وايمانا منا بأن الحوار لا ينتهي عند الحدود المكانية والزمانية للجلسة، بل يثرى بما يليها من مداولات وحوارات ونقاشات تمتد ما بعدها وبوسائل متنوعة.
ومن القضايا التي لم يسعفنا وقت الجلسة لتوضيحها موضوع شرعية النقابات المستقلة والجديدة، والتي يبدو أن عددا غير قليل من المعنيين بشأن التنظيم العمالي والنقابي غابت عنهم أهم الحقائق وأولها أن الأردن صادق على العهود والاتفاقيات الدولية الضامنة لمبدأ حرية التنظيم النقابي وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا بل قام بنشره في الجريدة الرسمية في عام 2006، وبالتالي فإن مضمون هذا العهد أصبح قانونا اردنياً، ويسمو على القوانين المحلية.
وكذلك فإن الاردن ملزم بتطبيق إعلان منظمة العمل الدولية الخاص بالحقوق والمبادئ الأساسية في العمل كونه عضوا في منظمة العمل الدولية، وهي تتضمن الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم. وتم تأكيد ذلك في التعديلات الدستورية التي نصت وبوضوح على حق الأردنيين في تأليف النقابات الى جانب الحق في انشاء تنظيم نقابي حر. وإذا كانت نصوص قانون العمل الأردني تمنع تشكيل نقابات جديدة، فإن المشكلة لا تعني أن النقابات الجديدة والمستقلة غير شرعية، بل تفيد أن قانون العمل الأردني لا يتلاءم مع المنظومة التشريعية الأردنية التي تسمو عليه، ولذلك آن الأوان الى أن ننتهي من الوهم الذي يقول ان النقابات الجديدة والمستقلة غير شرعية، والالتفات الى قانون العمل لتعديله بما ينسجم مع المنظومة التشريعية التي أشرنا اليها.
واضافة الى ذلك، فإن طبيعة التحولات في علاقات العمل التي شهدها الأردن خلال العقود الماضية وخاصة في السنوات القليلة الفائتة فرضت حقائق جديدة تتطلب تمكين العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص ان ينظموا أنفسهم في نقابات للدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم، وخلق حالة من التوازن في علاقات العمل بين العاملين واصحاب العمل، والتي تعاني من اختلال كبير نجم عنه كم كبير من الانتهاكات التي يتعرض لها غالبية عمال الأردن، وأن نظام التصنيف المهني الذي لم يتغير جوهريا منذ اواسط السبعينات من القرن الماضي والذي صمم لعمال الأردن 17 نقابة عمالية وزج فيها مئات المهن لم يعد صالحا للتطبيق في الوقت الراهن بعد التوسع الكبير في طبيعة الأعمال والمهن، فمنذ اربعة عقود لم يسمح لأي مجموعة عمالية بتشكيل نقابة خاصة بها. وبقي التمثيل العمالي محتكرا للنقابات القائمة واتحادها العام.
ورغم كل ذلك، لم تستطع نصوص قانون العمل من منع العمال الأردنيين من التحرك للدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم، إذ قامت هذه الفئات الاجتماعية بتشكيل هيئاتها ومنظماتها ولجانها بشكل تلقائي، لأنه حاجة اجتماعية، وعندما تعجز القوانين السائدة عن تنظيم المجتمعات فإن المجتمعات تخلق وتطور قوانينها ذاتيا. وتشكيل النقابات الجديدة والمستقلة يأتي في هذا السياق، وليس في أي سياق وهمي آخر يدعي أن النقابات المستقلة شكلها نقابيون لم يفوزا في الانتخابات النقابية الماضية، فهذا وهم وغير صحيح، خاصة إذا ما علمنا ان ثلاث نقابات فقط هي من جرى فيها انتخابات من أصل سبعة عشر نقابة خلال الدورة الانتخابية الماضية، وباقي النقابات لم يجر فيها اي شكل من اشكال الانتخابات من سنوات طويلة وبعضها منذ عشرات السنين، ونحن لدينا الآن في الأردن اثنتا عشرة نقابة مستقلة وجديدة، وهذا يفند وهما آخر يدعي أن النقابات الجديدة والمستقلة جاءت في سياق تنفيذ اجندات خارجية، لا بل أن أحد ابرز النقابيين في النقابات المعترف بها وفق قانون العمل يزعم أن تأسيس نقابات مستقلة في الأردن هو مخطط صهيوني!!!