أحمد عوض
لا یختلف اثنان على أن مختلف الأنشطة الاقتصادیة، بما فیھا التجاریة، یجب أن تخضع للقوانین والأنظمة ومنھا الضرائب، إلا أن ھنالك مجموعة من المحددات والاعتبارات التي یجب أن تأخذھا الحكومة بعین الاعتبار عند صیاغة سیاساتھا الخاصة بذلك. ومن ھذا المنظور، فإن تأیید أو رفض فرض الضریبة العامة على المبیعات على التجارة الالكترونیة لا یؤخذ بمعزل عن سیاق التحدیات التي تواجه الاقتصاد والمجتمع الأردني.
من ھذه الاعتبارات أن اقتصادنا الوطني یعاني من حالة تباطؤ اقتصادي منذ سنوات عدة، تراجعت فیھا غالبیة القطاعات الاقتصادیة، وجانب من استمرار حالة التباطؤ الاقتصادي تعود أسبابه الى الاختلالات القائمة في النظام الضریبي المعمول به. حیث تسیطر الضرائب غیر المباشرة (الضریبة العامة على المبیعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركیة وغیرھا من الرسوم) على الوعاء الضریبي، وھي تقارب 75 بالمائة من مجمل الإیرادات الضریبیة.
ھذا الاختلال نجم بشكل رئیسي عن عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على إنفاذ القانون وتحصیل حق الخزینة والمجتمع من ضریبة الدخل من العدید من أصحاب النفوذ الاقتصادي، واستسھال فرض ضرائب على الاستھلاك، وغیاب التوازنات الاجتماعیة بین مختلف مكونات المجتمع؛ حیث سیطرت طبقات وفئات اجتماعیة بعینھا على عملیة رسم السیاسات الاقتصادیة لخدمة مصالحھا، في ظل منع القانون لطبقات وفئات أخرى عن تنظیم نفسھا، فغابت السیاسات التوافقیة.
ومن الاعتبارات أیضا أن ھذه الاختلالات في النظام الضریبي زادت العبء الضریبي على المجتمع، في ظل تباین قدرات مكونات المجتمع في التكیف مع ھذا العبء؛ إذ تراجعت القدرات الشرائیة لغالبیة المواطنین بشكل ملموس بسبب الارتفاع الكبیر في أسعار السلع والخدمات، في ظل ثبات نسبي لمعدلات الدخول، ما أسھم في إضعاف الطلب الكلي وبالتالي عمق حالة التباطؤ الاقتصادي. كذلك أدت الاختلالات في الھیكل الضریبي الى توسیع التفاوت الاجتماعي (اللامساواة) بین مكونات المجتمع المختلفة؛ حیث ازدادت أعداد الفقراء، وانضمت فئات جدیدة لھم تتمثل في العاملین بأجور تقل عن خطوط الفقر، ولذلك نشھد حالة عدم الثقة الواسعة بین مؤسسات الدولة وبین الغالبیة الكبیرة من المواطنین.
كان متوقعا من حكومة الرزاز، وبعد اعترافھا رسمیا في بدایة عھدھا بھذه الاختلالات، البدء بتصویب ھذه المعادلة المختلة باتجاه زیادة الإیرادات الضریبیة المباشرة (الدخل)، وتقلیل الضرائب غیر المباشرة، الا أنھا ذھبت بالاتجاھات ذاتھا التي عملت فیھا الحكومات التي سبقتھا، وأصرت على تمریر قانون ضریبة دخل غیر عادل، لم یؤد الى تحسین الإیرادات العامة، بل عمق أزمتنا الاقتصادیة والاجتماعیة، لا بل وسع منسوب عدم الثقة بین الحكومة وغالبیة المواطنین.
من ھذا المنظور، نرى أن فرض ضرائب غیر مباشرة جدیدة تحت أي مسمى، بما فیھا الضریبة على التجارة الالكترونیة بمعزل عن مختلف ھذه الاعتبارات وغیرھا، وبدون الوقوف عند آثارھا الاجتماعیة، سیؤدي الى نتائج عكسیة، ولن تستفید منھا خزینة الدولة، ولا قطاع التجارة التقلیدیة.
كذلك، فإن الحساسیة الاجتماعیة للحكومة التي تمنعھا من عدم الإفصاح عن مؤشرات الفقر التي انتھت دائرة الإحصاءات العامة من استخراجھا منذ بدایة العام الحالي حفاظا على السلم الاجتماعي والأمن الوطني، ھي الظروف ذاتھا التي یجب أن تدفع الحكومة لعدم فرض ضرائب على التجارة الالكترونیة، بما فیھا الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/8/26