Home » الأخبار والفعاليات » ورقة تقدير موقف حول القرار الحكومي المرتقب بزيادة اسعار الكهرباء

ورقة تقدير موقف حول القرار الحكومي المرتقب بزيادة اسعار الكهرباء

مركز الفينيق – اصدر مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية ورقة تقدير موقف حول القرار الحكومي المرتقب بزيادة اتسعار الكهرباء،  حذر فيها  من الكلف الااقتصادية واجتماعية الباهظة التي ستترتب  على المواطنين جراء القرار ، بغض النظر عن السيناريو الذي يمكن أن تلجأ إليه الحكومة لرفع الأسعا.
ورقة الموقف كاملة
ورقة تقدير موقف
مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية
أسعار الكهرباء في الأردن .. استعداد ائتماني بكلف باهظة
عمان، الأحد، 16 حزيران 2013
تقديم
في سياق تطبيق الحكومة لخطتها الهادفة إلى تقليل عجز الموازنة العامة للدولة، وفي اطار التزاماتها بمتطلبات “اتفاقية الاستعداد الائتماني” (Stand-by Agreement)  التي وقعتها حكومة فايز الطراونه في آب 2012، ويتم بموجبها حصول الأردن على قرض تقارب قيمته 2 مليار دولار أمريكي، على مدار ثلاث سنوات. تتجه الحكومة الأردنية لاتخاذ قرار وشيك بزيادة أسعار الكهرباء، كخطوة باتجاه “إصلاح قطاع الكهرباء” التي تعتبر أحد أهداف الاتفاقية، إلى جانب أهداف أخرى تتمثل في “تصحيح اختلالات المالية العامة والحسابات الخارجية” و “تعزيز النمو المرتفع” و “إصلاحات في الإنفاق والضرائب وتحسين مناخات الاستثمار وتعزيز الشفافية وزيادة النشاط التجاري”.
وقد حصلت المملكة على دفعتين من القرض إثر بدء تطبيق قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية منتصف تشرين ثاني من عام 2012،[1] وينتظر أن تحصل الحكومة على الدفعة الثالثة من القرض  بعد بدء سريان قرار رفع أسعار الكهرباء، الذي من المتوقع أن يترك آثارا اقتصادية واجتماعية صعبة على الأردنيين، خاصة في ضوء المصاعب الداخلية الناجمة عن عدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة، جراء استمرار الاقتتال الداخلي في سورية، وما ترتب عليه من تدفق لمئات آلاف اللاجئين و تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية.
تعرض هذه الورقة التي أعدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، للآثار المتوقعة للقرار الحكومي برفع أسعار الكهرباء، على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، كما تتطرق للحلول الأنية والمستقبلية التي يمكن اللجوء إليها، لحل مشكلة الكهرباء في الأردن بشكل خاص ومشكلة الطاقة في البلاد عموماً، وتستعرض الورقة كذلك الخيارات المتاحة أم الحكومات الأردنية لتجاوز مشكلاته الاقتصادية الهيكلية والتي تبرز بشكل واضح في العجز المزمن في موازنة الدولة وعجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات.
“برنامج وطني للإصلاح”
الهدف الأساسي الذي تقول الحكومة أنها تسعى للوصول إليه جراء قرار رفع تعرفة الكهرباء، وفي اطار ما اطلقت عليه “البرنامج الوطني للإصلاح” يتمثل في إصلاح الأوضاع المالية للمشغل الرئيسي للنظام الكهربائي في المملكة شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو)، بعد تجاوز خسائرها التراكمية ثلاثة مليارات دينار، و(400) مليون دينار خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي 2013 نتيجة تراجع تدفق الغاز المصري بمستوى يقل عن (250) مليون قدم مكعب يوميا، واستقرت خلال الأسابيع الماضية عند ما يقارب (100) ما جعل الاعتماد على تشغيل محطات الكهرباء بواسطة زيت الوقود والسولار الخيار الأساسي المتاح. وحسب التقديرات الحكومية فإن التدابير التي ستتخذ لتخفيض خسائر شركة الكهرباء من شأنها التقليل من الخسائر بنحو 115 مليون دينار في حال طبقت في تموز المقبل.
وفي ظل رواية الحكومة التي تفيد أنه لا بديل عن رفع أسعار الكهرباء باعتباره انه الحل الآني لمشكلة ديون شركة الكهرباء، وبالتالي حل جزء من المديونية العامة للدولة، تبقى التساؤلات مطروحة فيما اذا كانت الحكومة قد لجأت للتفكير بحلول أخرى، خاصة وان مسؤولين في صندوق النقد الدولي، صرحوا ان الحكومة الأردنية هي من تقدمت بمقترح رفع أسعار الكهرباء للصندوق ولم يفرض الصندوق عليها ذلك.
الكهرباء، أزمة متفاقمة
والواقع أن المشكلة الحقيقية لشركة الكهرباء بدأت منذ عام 2011، مع بدء انقطاع إمدادات الغاز المصري، المصدر الرئيسي لتشغيل محطات الكهرباء في المملكة بأسعار تفضيلية، وتعمقت هذه المشكلة مع زيادة الأسعار التي يستورد بموجبها الأردن الغاز المصري، ما دفع شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) للجوء إلى بدائل اكثر كلفة لتشغيل محطات التزويد الكهربائي تمثلت في زيت الوقود والسولار.
كان خط الغاز المصري يغذي الأردن بما مقداره 250 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي، وانخفضت هذه الكمية بعد سلسلة الانفجارات التي استهدفت الخط والذي بلغ عددها 15 تفجيرا على الأراضي المصرية، مما أسفر عن خفض كمية الغاز إلى إلى 100 مليون قدم مكعب يوميا، أي أن الغاز المصري في الوقت الراهن لا يغطي سوى 40 % من الكميات المتعاقد عليها مع الجانب المصري. اعتمدت  المملكة في عام 2012 على الغاز المصري لتوليد 14.2 % من الطاقة الكهربائية، فيما كانت النسبة  في 2011  تشكل 21 %. واختلفت التسعيرة التي كان الأردن يحصل بموجبها على الغاز المصري منذ توقيع اتفاقية مشتركة بين البلدين في العام 2004 مدتها 15 عاما، تقضي بتوريد 250 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، بقيمة 2.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية(BTU)[2]، الا ان الحكومة المصرية ضاعفت أسعار الغاز خلال نيسان (أبريل) من العام 2011، ليصل إلى خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، على أن يتم تعديل سعر الغاز المصدر بعد ذلك كل سنتين وفقا للقواعد المعمول بها في السوق العالمية، وعلى هذا الأساس يفترض ان يبدأ الجانبان المصري والأردني، وفي وقت قريب مفاوضات جديدة لتعديل أسعار توريد الغاز وفق الأسعار العالمية.
بيانات شركة الكهرباء الوطنية بينت أن مديونية الشركة بلغت في نهاية عام 2012 ما مقداره (2.748) مليار دينار، من هذه الديون ( 1.983) مليار دينار قروضا للبنوك و (765) ذمما لجهات أخرى خاصة لمصفاة البترول الأردنية، كما أن الفوائد السنوية لهذه القروض تشكل نحو ( 90 ) مليون دينار، إلى جانب الديون المستحقة لشركة الكهرباء الوطنية على شركات أخرى مثل شركة مصفاة البترول الأردنية التي تبلغ الديون المستحقة عليها نحو ( 220) مليون دينار.
ويستورد الأردن جزء من احتياجاته من الكهرباء من دول اتفاقية الربط  الكهربائي العربي وهي مصر وسورية ولبنان، وقد تراجعت مستوردات المملكة من الطاقة الكهربائية بنسبة 63% بنهاية الشهر الثالث من العام الحالي 2013، منخفضة من (43.3) مليون دينار بنهاية آذار 2012، إلى (15.9) مليون دينار بنهاية آذار 2013، نتيجة توقف استيراد الكهرباء من سورية نهائياً.[3]
وبلغت فاتورة استيراد الكهرباء من مصر خلال عام 2012 نحو 92 مليون دينار، بالإضافة إلى 88 مليون دينار فاتورة استيراد الغاز المصري. كما أن فاتورة الوقود المستخدم في توليد الكهرباء “زيت الوقود الثقيل و السولار” بلغت في عامي 2011 و 2012 ما مقداره ( 1.913 ) مليار دينار، إن الشركة تأمل خلال الخمس سنوات المقبلة تغطية تكاليف توليد الكهرباء بعيدا عن ديون الشركة.[4]ويبلغ سعر بيع الكهرباء من شركة الكهرباء الوطنية إلى شركات التوزيع الثلاث 63.6 فلس لكل كيلو واط ساعة فيما ان كلفة الإنتاج تبلغ 136.4 فلس للكيلو واط ساعة.[5] هذا وتبلغ كلفة توليد الكهرباء في المملكة في الوقت الراهن (0.168) دينار لكل كيلو واط ساعة، وتباع بمعدل (0.084) دينارا لكل كيلو واط ساعة.[6]
تهدف الحكومة قرار رفع أسعار الكهرباء المتوقع تنفيذ المرحلة الأولى منه في بداية شهر آب 2013 القادم إلى تمكين شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) من مرحلة استرداد كلفة انتتاج الكهرباء، وعدم تحميل خزينة الدولة أية فروقات في الأسعار بين تكاليف الإنتاج والبيع والذي تحملته خلال العامين والنصف الماضيين، وبلغ ثلاثة مليارات دينار اردني. وتتوقع الحكومة تحقيق إيراد إضافي لشركة الكهرباء الوطنية خلال سنوات تطبيق التعرفة الجديدة بما يزيد على ( 150) مليون دينار في عام 2013 و (217) مليون دينار في عام 2014 و (256) مليون دينار في عام 2015  و ( 277) مليون دينار في عام 2016، وسيتواصل الارتفاع في الإيراد الإضافي لشركة الكهرباء الوطنية وصولاً إلى حصيلة قدرها (3.148) مليار دينار حتى عام 2022.[7]
التزايد المتسارع في عدد السكان في المملكة، زاد من استهلاك الطاقة بكافة أشكالها، وخاصة الكهرباء حيث بلغ معدل استهلاك الفرد سنويا من الكهرباء 2230 ( ك.و.س) في العام 2012، مقارنة مع 1218 (ك.و.س) عام 2000. كما أن الطلب على الكهرباء في الأردن يشهد نمواً متسارعاً اذا ان الحمل الأقصى والبالغ 2650 ميجا واط في العام 2011 ارتفع  إلى 2800 ميجا واط في العام 2012 مسجلاً زيادة نسبتها 5.3 % ، فيما تصل نسبة المساكن المزودة بالتيار الكهربائي في الأردن إلى 99.9 %. ويستهلك القطاع المنزلي حوالي 40%من مجمل الكهرباء المتوفرة، ويستهلك القطاع الصناعي حوالي 25% وحوالي 17% للقطاع التجاري. فيما يستهلك القطاع الزراعي نحو 18%، وفي بلد يستورد ما نسبته 97% من احتياجاته من الطاقة، ومع زيادة التوقعات باستمرار ارتفاع الأسعار عالمياً، إضافة إلى زيادة الطلب على الكهرباء حيث يتوقع أن تصل طاقة الحمل القصوى في المملكة إلى 3590 ميغاواط في العام 2015، وإلى 4773 ميغاواط في 2020، يظهر ان الأزمة الحقيقية التي تعيشها المملكة وتوقعات استمرارها اذا لم توضع لها حلولاً جذرية تعالج الاختلالات الكبيرة التي تسببت بها السياسات الحكومية في مجال الطاقة خلال العقود الفائتة والتي لم تراع المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية. حيث تزايدت وبشكل كبير منذ عام 2008 الأعباء الناجمة عن ارتفاع التكاليف العالمية على الطاقة وتراجع الدعم الحكومي للمؤسسات والمنشآت الصناعية، في سياق سياسات التحرير الاقتصادي، وعدم عناية الحكومات المتعاقبة بخيارات الطاقة الأخرى مثل الغاز الطبيعي والصخر الزيتي الى جانب خيارات الطاقة البديلة المتوفرة في الأردن، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وتتولى حاليا تسع محطات توليد الكهرباء في مختلف مناطق المملكة، وهي محطة العقبة الحرارية، محطة الحسن الحرارية، محطة الريشة، محطة رحاب، محطة مادبا، محطة جنوب عمان، محطة الكرك، محطة الإبراهيمة، محطة حوفا[8].
خيارات صعبة
لأن الأردن في الوقت الراهن يدفع ثمن بؤس السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها خلال العقود الماضية من قبل العديد من الحكومات، والتي أدت من بين ما أدت اليه إلى زيادة الاعتماد بشكل شبه كامل على مصادر للطاقة خارجية، ولأن هذه السياسات أهملت مجمل الخيارات التي كانت متاحة وخاصة الاستثمار في مجال الطاقة البديلة كمصدر أساسي للطاقة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إضافة إلى الزيت الصخري، كما نصت على ذلك توصيات لجنة الأجندة الوطنية التي وضعت عام 2006 والتي أوصت للجوء لمصادر الطاقة البلدية كخيار استراتيجي لحل مشكلة الطاقة المتفاقمة في البلاد، وتم إهمال تلك التوصيات من قبل الحكومات المتعاقبة، فإن البلاد الآن أمام خيارات صعبة لتجاوز محنة التراجع الملموس في كميات الغاز المصري وزيادة أسعاره، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وفي هذا المجال كانت الحكومة قد حددت ثلاثة سيناريوهات لرفع أسعار الكهرباء، ،لسيناريو الأول يفترض رفع التعرفة الكهربائية على جميع الشرائح والقطاعات بنسبة 30% من الأعوام 2013 وحتى 2017 وهذا سيحقق إيرادا إضافيا خلال الفترة من 15/8/2013(البداية المقترحة) ولغاية نهاية 2013 مبلغ 162 مليون دينار وهذا سيؤدي لان تكون خسارة شركة الكهرباء (978) مليون دينار والخسارة التراكمية (3314) مليون دينار.
أما السيناريو الثاني فهو يضع فرضية رفع التعرفة الكهربائية على جميع الشرائح والقطاعات بنسبة 20% من 2013 وحتى 2017 وهذا سيحقق فائضا بقيمة 113 مليون دينار وخسارة عام 2013 (1027) مليون دينار وخسارة تراكمية (3363) مليون دينار. أما السيناريو الثالث فهو يقترح رفع التعرفة بنسب تتراوح بين (0% و15%) اعتبارا من عام 2013
ويشمل ذلك عدم رفع التعرفة على القطاع المنزلي في عام 2013، وعدم رفع التعرفة على القطاع المنزلي للاستهلاكات التي (لا تزيد) عن مستوى (600 ك.و.س/شهر (أي 50 دينارا) من العام 2014 وحتى 2017.  هذا السيناريو يضع فرضية عدم رفع التعرفة على القطاع الزراعي إطلاقا من 2013 وحتى 2017. وكذلك عدم رفع التعرفة على قطاع الصناعيين الصغار الذين لا يتجاوز استهلاكهم 10000 ك.و.س/شهر. في عام 2013 وكذلك رفع التعرفة على باقي الشرائح والقطاعات بنسبة تتراوح بين (صفر % و15%) بما في ذلك القطاع الاعتيادي. وذلك في السنة الثانية (2014 وحتى 2017).
ومن وجهة نظر الحكومة فإن هذا السيناريو سيحقق في هذا العام 2013 نحو 51 مليون دينار لتبلغ الخسائر (1031) مليون دينار والتراكمية (3367) مليون دينار.[9]
وفي سياق محاولات الحكومة تمرير قرار رفع أسعار الكهرباء، والذي لا تملك أية خيارات سواه بعد تعهدها لصندوق النقد الدولي بتطبيقه كأحد متطلبات “اتفاقية الاستعداد الائتماني” التي وقعتها الحكومة سابقة، فقد اختارت أسلوب تجزئة تطبيقه بحيث يكون نفاذه على مراحل تفاديا لدخول البلاد في اضطرابات اجتماعية وسياسية لا تحمد عقباها، خاصة بعد التجربة الصعبة التي واجهها النظام السياسي الأردني في منتصف شهر تشرين ثاني 2012 بعد تطبيق قرارها بتحرير أسعار المشتقات النفطية، والذي اتسعت فيه رقعة الاحتجاجات الشعبية وارتفعت فيها سقوف مطالبها.
كلف باهظة
ان تطبيق الحكومة لخطة إنقاذ شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) قد تنجح، إلا أنه سيترتب عليها كلف اقتصادية واجتماعية باهظة، سيدفع ثمنها في النهاية المواطنون من ذوي الدخول المتوسطة والمتدنية، والمعالجات الحكومية لبعض تداعياتها من خلال تأجيل تطبيق بعض مراحلها، من غير المتوقع أنه سيحمي هذه الفئات، إذ أن تأثر المواطنين برفع أسعار الكهرباء لن يكون مباشرا في جميع الأحوال، صحيح أن صغار المستهلكين المنزليين لن يترتب عليهم أية زيادات في دفع فواتير استهلاكهم للكهرباء، إلا أنه لا يوجد طريقة يمكن أن تمنع مؤشرات التضخم من الارتفاع كنتيجة لارتفاع أسعار الكهرباء على القطاعات الاقتصادية الكبيرة في الأردن، والتي يبدو أنها ستحلق عاليا خلال هذا العام، والتي يمكن أن تتجاوز 10%، فهي كانت قد ارتفعت بنسبة 7% خلال اشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2013 مقارنة مع ذات الفترة الزمنية من عام 2012 الماضي. الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الضغوطات الاقتصادية على شرائح واسعة من المواطنين وخاصة فئة العاملين بأجر وذوي الدخول الثابتة، والذين يحصل ما يقارب ثلاثة أرباعهم على أجور منخفضة تقل عن 400 دينار شهريا، في الوقت الذي تشير فيه الأرقام الرسمية إلى ان خط الفقر للأسرة المعيارية في الأردن هو 400 دينار شهريا.
ومما يفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على غالبية المواطنين عدم وجود خطط حالية أو مستقبلية لزيادة مستويات الأجور للعاملين في القطاعين العام والخاص والمتقاعدين ومتلقي المعونة الوطنية، الأمر الذي سيدفع الأردن إلى المزيد من الاحتجاجات الاجتماعية وعلى وجه الخصوص الاحتجاجات العمالية للمطالبة بزيادة الأجور، والعديد من التقارير تشير إلى أن تنامي موجة الاحتجاجات العمالية في الأردن خلال العامين الماضيين، واستمرت في ذات مستوياتها لهذا العام حيث بلغ عدد الاحتجاجات العمالية خلال  الربع الأول من العام الحالي 291 احتجاجاً.
وسيؤدي قرار رفع أسعار الكهرباء كذلك إلى رفع كلف الإنتاج لمختلف السلع والخدمات الأمر الذي سينعكس سلباً على مجمل المشاريع الاقتصادية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، الأمر الذي سيؤدي بطريقة أو أخرى خروج جزء منها من السوق، لعدم قدرتها على تحمل الأعباء الإضافية جراء رفع أسعار الكهرباء، بما يؤدي لفقدان العديد من العاملين لأعمالهم وبالتالي زيادة نسب البطالة والدفع باتجاه زيادة مستويات الفقر.
وستنعكس كذلك أثار رفع أسعار الكهرباء مباشرة على قطاعي الصناعة والتصدير نتيجة ارتفاع كلف الإنتاج، مما سيؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية لهذين القطاعين داخلياً وخارجياً، وبالتالي تراجع الصادرات الصناعية الأردنية إلى الخارج، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على الحساب الجاري لميزان المدفوعات الذي يعاني من الكثير من الصعوبات، وسيؤدي أيضا إلى تراجع قدرات القطاعات الصناعية الأردنية التصديرية وغير التصديرية على تشغيل المزيد من الأيدي العاملة، لا بل يمكن أن يؤدي ذلك إلى التخلي عن بعض الأيدي العاملة الموجودة.
وسيكون لقرار رفع أسعار الكهرباء كذلك تأثيرات سلبية على البيئة الاستثمارية وقدرتها على جذب الاستثمارات الخارجية واستمرار المحافظة على الاستثمارات القائمة في الأردن، سواء كانت استثمارات وطنية أم أجنبية، ونتائج ذلك ستكون كارثية على الوضع الاقتصادي العام، الأمر الذي سيضرب كافة الجهود التي بذلت وتبذل في سبيل تشجيع الاستثمار الذي يشكل المحور الأساسي للنمو الاقتصادي والتنمية في الأردن، وسيدفع الأردن إلى مزيد من الاعتماد على المساعدات والمنح الخارجية بما يترتب على ذلك من كلف اقتصادية (زيادة الديون الخارجية والداخلية وخدماتها) وسياسية.
بدائل عاجلة وأخرى مستقبلية
في ضوء التوقعات بأن تشهد المملكة انقطاعات في التزويد الكهربائي خلال العامين القادمين [10]، وتوقعات استمرار ارتفاع كلفة توليد الكهرباء، فإن هناك حلولاً استراتيجية وأخرى عاجلة لابد من اتخاذها، لابديل عن الطاقة البديلة أو المتجددة، لحل مشكلة الطاقة في الأردن على الاستراتيجي، فالعالم يتجه اليوم نحو الشمس والرياح لتوليد الطاقة الكهربائية بدلاً من الوقود الثقيل، والأردن غني بهذين المصدرين. فاستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، الذي بدأ في الأردن منذ عامين تقريباً، لتمديد الكهرباء في الشركات والمصانع والدوائر الحكومية والمنازل لابد من تشجيعه، لاستخدام الخلايا الشمسية بأسعار متدنية، والاستفادة من التعليمات التي أصدرتها هيئة تنظيم قطاع الكهرباء القانون رقم (13) من قانون الطاقة لعام 2012 والذي تسمح بتركيب نظام كهروشمسي لتوليد الكهرباء للاستهلاك، وما يعيق انتشار هذه الآلية لتوليد الكهرباء، ارتفاع الرسوم المفروضة على بعض معدات وتجهيزات هذا النظام ، الأمر الذي يتطلب إعفاءا شاملا من الرسوم للمساعدة في انتشار هذه الطريقة في توليد الكهرباء المنزلية والصناعية.
كذلك بات مطلوبا وبشكل حثيث استغلال خامات الصخر الزيتي، التي يعد الأردن من الدول الغنية فيها وتشير بعض المصادر أن احتياطات تأتي في الترتيب الرابع عالميا، حيث يقدر حجم الاحتياطي السطحي والعميق بما يزيد على 70 مليار طن تحتوي على ما يزيد على 7 مليارات طن نفط،. وان استغلال الصخر الزيتي في الأردن خلال السنوات السبع المقبلة سيوفر إنتاج 100 ألف برميل نفط يوميا، بما يمكن من سد النقص في مصادر الطاقة في الأردن في ظل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، لذلك ينبغي العمل على مشاريع استخراج الصخر الزيتي لتوليد الطاقة. كذلك ينبغي العمل على دعم وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الطاقة وخاصة توليد الكهرباء بواسطة الشمس والرياح، وإزالة العوائق التي تعترض مشاريع القطاع الخاص في هذا الإطار.
وأمام استمرار ارتفاع كلف الاستيراد العالية للطاقة التي تزيد الأعباء على خزينة الدولة، لابد من اللجوء لإجراءات تعمل على زيادة إيرادات الخزينة من خلال إصلاح النظام المالي ودعم القطاعات الإنتاجية خاصة قطاعات الزراعة والسياحة والصناعة وتعزيز فرص الاستثمار. كذلك محاربة التهرب الضريبي، وتعديل قانون ضريبة الدخل بحيث تصبح الضريبة تصاعدية.
هذا الى جانب بذل مزيد من الجهود لترشيد استهلاك الطاقة وتقليص المهدورة منها، باعتبارهما حلان عمليان لمشكلة الكهرباء في المدى المنظور، ويدخل في إطار ذلك إصدار تعليمات لترشيد الاستخدام وترشيد عملية إنارة الشوارع والميادين العامة. إضافة إلى وقف التعديات على المحولات الكهربائية وزيادة الرقابة على سرقات التيار الكهربائي، كذلك استخدام أجهزة الإنارة الموفرة للطاقة وبيعها بالكلفة للمشتركين، كذلك ينبغي تنظيم حملات توعية للمواطنين من خلال مختلف وسائل الإعلام لترشيد استهلاك الكهرباء، وإلزام المصانع الكبرى مثل ( الإسمنت والبوتاس والفوسفات ) وغيرها بإنشاء وحدات طاقة مستقلة لتغذيتها تعمل بالمنظومة الشمسية ،و إعداد التشريعات الناظمة مع وزارة الطاقة لشراء ما يزيد عن حاجة المصانع و بأسعار تفضيلية.
لقراءة الورقة اضغط هنا