بمشاركة ما يزيد على 70 مشاركاً يمثلون العديد من القطاعات الاقتصادية والأحزاب السياسية ومجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني والخبراء والمهتمين عقد مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية الأربعاء الماضي ورشة عمل بعنوان: السياسات الضريبية في الأردن: مشكلات وحلول.
وقال الدكتور مصطفى شنيكات رئيس مجلس أمناء المركز في افتتاح ورشة العمل “أن السياسات الضريبية في الأردن تعاني من العديد من الاختلالات سواء من ناحية نسبة ضريبة الدخل إلى الناتج المحلي الإجمالي وقلة عدد الشرائح التي تطبق عليها الضريبة التصاعدية، مقابل ارتفاع ايرادات ضريبة المبيعات، يرافقها ارتفاع في مستوى التهرب الضريبي”.
في الجلسة الأولى من الورشة والتي حملت عنوان رؤية عامة حول السياسات الضريبية في الأردن تحدث فيها رئيس مجلس النواب الأردني المهندس عاطف الطراونة الذي دعا إلى الاهتمام بدراسة البنود الضريبية عند اقتراح أي تعديل وربطها بالخدمات التي يتم تقديمها للمواطنين وخصوصاً الطبقات الفقيرة، وأن يتم ربط الإيرادات بالاستثمار وتوفير فرص العمل وتوجيهها جغرافياً للوصول إلى “حقوق متساوية بين المحافظات”.
وأضاف الطراونة أنّ هناك سلعاً لها ارتباط سياسي قبل أن يكون اقتصادياً، فلا يجوز أن نتحدث بالمطلق عن رفع ضرائب على سلع وخدمات دون ربطه بالقرار السياسي، مشيراً إلى أنّ هناك سلعاً يجب أن تكون متوفرة بأسعار مقبولة، حتى يستفيد منها أكبر عدد من المواطنين، وهو ما يتوافق مع فلسفة الضريبة التي تعيد توزيع الدخل بين المواطنين وهذه وظيفة المشرع.
وفيما يتعلق بضريبة المبيعات أكد الطراونة أن هناك فجوة بين ما يتم تحصيله من المواطنين كضريبة مبيعات وبين ما يتم توريده لخزينة الدولة مشيراً إلى ان لمبالغ التي يتم تحصيلها من ضريبة المبيعات تشكل 20% من المبالع التي يتم توريدها للخزينة، وهذا خلل كبير جدا والمطلوب رقابة مشددة من الحكومة”.
كما تحدثت في الجلسة الاستاذة جمانة غنيمات رئيسة تحرير جريدة الغد التي قالت انه لا يوجد لدينا نظام ضريبي عادل، مبينة ان النظام الضريبي في الاردن يقوم على مبدأ الجباية، وبحسب الارقام الرسمية فإن 48% من الاردنيين دخلهم اقل من 350 ديناراً.
وبينت غنيمات أنّ تبعات فرض ضرائب جديدة سواء دخل أو مبيعات سيكون تأثيرها بشكل أساسي على الطبقة الوسطى التي تعاني من فجوة بين دخلها وإنفاقها، مضيفة أنّ هذا يأتي في الوقت الذي نجد فيه أن 48% من الأسر الأردنية دخلهم أقل من 358 دينارا شهريا وفق أرقام دائرة الاحصاءات العامة.
الجلسة الثانية من الورشة التي تناولت المشكلات التي تواجه النظام الضريبي الأردني تحدث فيها نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق الذي قال ان سياسة الحكومة الحالية منفرة للاستثمار من خلال عدم استقرار التشريعات الضريبية. وطالب الحاج بمكافحة التهرب الضريبي والجمركي وزيادة كفاءة التحصيل بالتزامن مع تخفيض الضرائب لتنشيط الاقتصاد بشكل يحقق ايرادات أعلى.
وأشار توفيق إلى أن التركيز دائماً يكون على التهرب الضريبي ولكن هناك ما هو أخطر وهو التهرب الجمركي، وبين توفيق أن تغليظ العقوبات مع بقاء الوضع على ما هو عليه يعتبر بمثابة تقديم خدمة كبيرة للمرتشي والفاسد، مضيفاً أن التاجر الملتزم هو المتضرر من تبعات التهرب.
كما تحدث في الجلسة نبيل اسماعيل رئيس جمعية المستثمرين الأردنية، الذي قال أننا بحاجة إلى رؤية متكاملة طويلة الأمد للاقتصاد الأردني وليس النظر الى تعديل قانون ضريبة الدخل فقط. كما وصف اسماعيل الوضع الاقتصادي بأنه كارثي لأنه محصلة لسياسات حكومية متعاقبة لم يحاسب عليها أحد، مضيفا أن القطاع الصناعي يشكل ربع الناتج المحلي الإجمالي كما يشغل القطاع 230 ألف عامل منهم 25% فقط عمالة أجنبية، مبيناً أن الحكومات الأردنية المتعاقبة تسابقت في توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع عدد كبير من دول العالم التي لم يتم دراسة أثرها على الاقتصاد الوطني بشكل عام والقطاع الصناعي بشكل خاص والتي أدت الى إضعاف تنافسية الاقتصاد المحلي وإخراج عدد كبير من الصناعات من السوق، مبيناً أن القطاع الصناعي لا يحتاج الى قانون ضريبة دخل جديد بل بحاجة الى رؤية متكاملة طويلة الأمد.
من جهته قال الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، أن المفهوم العام للسياسات الضريبية ينطلق من ثلاثة أهداف رئيسية أولها إعادة توزيع الدخل، وثانيها أن تكون هذه السياسات أداة لتصويب التشوهات الهيكلية في الاقتصاد، التي من شأنها أن تعمل على تطوير القطاعات المنتجة وتوفير فرص عمل، أما الهدف الثالث فهو توفير إيرادات لخزينة الدولة، وبين الكتوت أن الحكومات المتعاقبة ألغت الهدفين الأول والثاني للسياسات الضريبية وقامت بتوحيد العبء الضريبي في أواخر التسعينات بمعنى أن كافة المواطنين يواجهون العبء نفسه مما عمق من الاختلالات التي تواجه الاقتصاد الأردني بدلا من تصويبها، وأضاف الكتوت أنه في عام 1991 كانت الإيرادات الضريبية تشكل 50% من خزينة الدولة مقابل 50% من المصادر المحلية الأخرى ولكن بعد صدور قانون الضريبة العامة على المبيعات عام 1994 وما تلاها من سلسلة من القوانين الضريبية المماثلة والتي منها الضريبة الخاصة والضريبة المقطوعة على المنتجات النفطية رفعت حصة الإيرادات الضريبية من الخزينة الى 70% وعند تدقيقها تصل الى 85% داخلة تحت مسمى ضرائب أخرى.
فيما قال الدكتور زيد روحي الكيلاني نقيب الصيادلة الأردنيين، أنه يجب أن يتم محاسبة الحكومة على إنجازاتها وليس محاسبة المواطن على ضريبته مشيراً أن الحكومة تتهرب من مسؤولياتها، كما حذر الكيلاني من زوال الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع الاعباء الضريبية.
وفي الجلسة الثالثة من الورشة والتي حملت عنوات السياسات الضريبية، رؤية مستقبلية، أشار السيد خالد رمضان عضو مجلس النواب الأردني، أن الحل هو حل سياسي أولاً، مؤكدا أنه لم يتم تقديم ورقة رسمية لمجلس النواب لقانون الضريبة الجديد، موكدا أن الأردنيين يدفعون 100% ضرائب من خلال ضريبة المبيعات ولا يوجد هناك حاجة لتعديل قانون ضريبة الدخل مضيفا أن السياسات الضريبية في الأردن فقدت وظيفتها في إعادة توزيع الدخل.
كما تحدث في الجلسة الخبير الاقتصادي محمد البشير، الذي قال أن الضرائب هي أداة من أدوات المالية العامة والحكومات تلجأ أولاً الى الضرائب وبعد ذلك تلجأ الى المديونية، مشيرا الى أنه حتى عام 1995 كان قانون ضريبة الدخل بالمرصاد لغلق الفجوة بين المواطنين، كما أكد أن العلاقة دائما ما تكون طردية بين ضريبة المبيعات والفساد.
وقالت الاستاذة نهى زايدة نائب الامين العام للجنة الوطنية الاردنية لشؤون المراة، أن الهدف الرئيسي للسياسات الضريبية هو إعادة توزيع الدخل، وتشير الاحصاءات على المستوى الأردني والعالمي ان دخل النساء أقل بكثير من دخل الرجال حيث أن معدل مداخيل النساء في الأردن يبلغ 3587 دولار سنويا مقابل8831 دولار سنويا للرجال بحيث يتم “تأنيث الفقر” مما يستدعي أخذ النوع الاجتماعي بعين الاعتبار ويشير الى ضرورة تحقيق تصاعدية الضريبة لإعادة توزيع الدخل بين الأغنياء والفقراء وبين الرجال والنساء.