Home » مقالات » من الريع إلى الإنتاج: هل نحن جاهزون؟

من الريع إلى الإنتاج: هل نحن جاهزون؟

أحمد محمد عوض
كان أمراً إيجابياً تأكيد رئيس الحكومة خلال لقائه مع ممثلي القطاعين الصناعي والتجاري، الخميس الماضي، رؤية/مشروع “النهضة الوطني” الذي جاء في كتاب التكليف السامي للحكومة الحالية، والتي تقوم على فكرة التحول من دولة الريع الى دولة الإنتاج.
لا يختلف اثنان ممن يؤمنون بهذه الرؤية/المشروع وأدوات تحقيقها، أنها تشكل أقصر الطرق للخروج من المآزق الصعبة التي نواجهها، إلا أن تحقيقها سيبقى حلما بعيد المنال، ما لم نعمل على إنجاز بعض المتطلبات الأساسية -مسبقة وموازية- وبدونها لا يمكن أن ننجح في عملية التحول هذه، وسنبقى نصارع هذه المآزق لعقود طويلة.
والجميل في الموضوع أن السلطة التنفيذية تعترف بمختلف هذه المتطلبات، وأهمية العمل عليها لتحقيق الرؤية/المشروع، فالخطاب الرسمي للدولة يشير الى أن دولة الإنتاج تقوم على المواطنة وسيادة القانون.
ويشير الخطاب الرسمي في إطار تصوره لدولة الإنتاج كأحد عناصر “مشروع النهضة الوطني”، إلى ضرورة تعزيز منظومة حقوق الإنسان والحفاظ على كرامته كأحد شروط تحقيقها، الى جانب جوهرية تحقيق الحماية الاجتماعية للمواطنين كافة.
إلا أننا نصاب بالصدمة وأحيانا بخيبة الأمل كفاعلين تنمويين وحقوقيين ومراقبين من بعض القرارات والممارسات الحكومية التي تأتي على النقيض من هذا “المشروع/الرؤية”، فكيف لنا أن نتقدم خطوة نحو دولة الإنتاج وسيادة القانون والحماية الاجتماعية، ونحن نعلن قبل أيام، وأمام كل دول العالم، أننا لا نقبل التوصيات التي تعزز سيادة القانون والمواطنة والحماية الاجتماعية.
نعم، نعيش حالة صدمة من عدم قبول الحكومة للتوصيات التي جاءت في إطار الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان في جنيف/سويسرا، والتي طالبتنا بتعزيز مبادئ وقيم المواطنة في التعامل مع الأردنيين رجالا ونساء، وإلغاء التمييز القائم بينهما في الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية.
ولم توافق الحكومة كذلك على التوصيات المتعلقة بتعزيز حرية الرأي والتعبير والإعلام، والتي تعد إحدى دعائم المساءلة التي تقوم عليها دولة الإنتاج. وكيف لنا أيضا أن نحقق مشروعنا النهضوي ونحن لا نقبل توصيات تحثنا على تعديل قانون العمل الأردني وفقا للمعايير الدولية لتحقيق مزيد من الحماية الاجتماعية للعاملين بأجر؟
ونتساءل مرة أخرى، كيف لنا أن نمضي قدما نحو تحقيق رؤية/مشروع “النهضة الوطني” القائم على سيادة القانون ودولة الإنتاج والتكافل (الحماية الاجتماعية)، ونحن لا نقبل العمل على الحد من الصلاحيات الممنوحة للحكام الإداريين التي تشكل اعتداء على صلاحيات السلطة القضائية، ونرفض فكرة تعيين محامين وتقديم المساعدة القانونية للمتهمين منذ لحظة إلقاء القبض عليهم؟
وكيف لنا أن نمضي قدما نحو مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا في إطار مشروعنا النهضوي ونحن لا نقبل توصيات تطالبنا بحماية الطفولة والحد من زواج الأطفال والقصر ومنع استغلالهم، وتعزيز منظومة الحماية للناس من التعذيب الذي يمكن أن يمارسه موظفون عليهم؟
إن تحقيق الرؤية الطموحة في بناء دولة الإنتاج وسيادة القانون والحماية الاجتماعية، يتطلب أن نكون جاهزين لذلك، وأن تكون بنى الدولة السياسية المختلفة مؤمنة بها، وخلاف ذلك سنبقى نعاني من المشكلات والتحديات ذاتها، لا بل سيعاني أبناؤنا وأحفادنا منها.

صحيفة الغد الأردنية 19 تشرين الثاني 2018