أحمد عوض
تحتل الموضوعات الاقتصادية مساحة واسعة من مناقشات قمة مجموعة الدول الاقتصادية الثماني الكبرى المنعقدة حالياً في جزيرة هوكاييدوا اليابانية ، بهيمنة موضوع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على مناقشات القادة المجتمعين والخبراء ..
فالغذاء له الأولوية على الرغم من أهمية المواضيع السياسية والبيئية الأخرى المدرجة على جدول أعمال القمة مثل الاحتباس الحراري والقضايا الأمنية الإقليمية ومكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية.
ويأتي الاجتماع السنوي الحالي لقادة الدول الثماني الكبرى في ظل أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة تمثلت في ارتفاعات مطردة في أسعار الغذاء والطاقة ، الأمر الذي أدى إلى ازدياد رقعة الفقراء والجوعى في العالم بسبب الارتفاع الكبير وغير المسبوق في معدلات ارتفاع أسعار مختلف السلع ، وخاصة في دول “العالم الثالث” ، أو ما اصطلح على تسميتها “بدول الجنوب”.
ويقينا ، أن ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية تأثرت بها مختلف الشعوب ، إلا أن هناك تفاوتاً كبيراً بين شعوب الدول المتقدمة وخاصة شعوب الدول الثماني المجتمعة ، إذ لم تتجاوز معدلات التضخم في هذه الدول حاجز 5 بالمائة خلال الأشهر الماضية ، بينما تجاوزت معدلات التضخم في دول العالم الثالث 10 بالمائة ووصل بعضها إلى 30 بالمائة.
ولا يقف التأثير السلبي على دول وشعوب هذه الدول عند حد ارتفاع الأسعار وزيادة رقعة الفقراء فيها ، بل يتعداه إلى تفاقم عجز الحسابات الجارية في موازين مدفوعاتها بسبب تضاعف فواتير مستورداتها من الغذاء والنفط ، الأمر الذي سيزيد الضغوط على اقتصادياتها ، وسيولد مشكلات اقتصادية واجتماعية أخرى.
وتشير مختلف التوقعات أن نتائج هذه القمة لن تخرج عن إطار زيادة المساعدات المالية والغذائية للدول الفقيرة ، والتي ستساهم في تقليل عدد الجوعى فيها ، ولكنها لن تساعد في وضع حد لتراجع اقتصاديات هذه الدول ، كما فعلت المساعدات بمختلف أنواعها التي تم تقديمها إلى هذه الدول خلال العقود الماضية.
فالمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول ناجمة بالأساس عن تطبيق سياسات اقتصادية وتجارية مفروضة عليها من قبل مجموعة الدول الثماني التي دفعت باتجاه تطبيق سياسات تحرير الأسعار ورفع الدعم عن السلع الأساسية ، وتحرير تجارتها الخارجية ، وبالتالي تيسير الاستيراد على حساب الإنتاج المحلي ، وتم تكبيل هذه الدول بالديون الخارجية ، الأمر الذي دفع اقتصاديات دول العالم الثالث لأن تصبح سوقاً مفتوحة للسلع المستوردة من الدول المتقدمة اقتصادياً دون منافسة حقيقية ، ووضع عقبات أمام نمو وتطور اقتصادياتها الوطنية وخاصة في القطاعات الزراعية والصناعية ، وقادها للانكشاف أمام التغيرات التي تحدث في الأسواق الدولية.
المساعدات المالية والغذائية ، تحتاجها دول العالم الثالث ، ولكن الأهم مساعدتها في إعادة النظر في تطبيق السياسات التجارية الانفتاحية التي تعيق نمو قطاعاتها الإنتاجية ، وإلغاء الديون المترتبة عليها ، والتي تثقل كاهلها وكاهل شعوبها. أما داخليا ، فإن دول العالم الثالث بحاجة أيضاً إلى إرادة باتجاه إجراء إصلاحات سياسية وإدارية حقيقية تمكن شعوبها من استغلال ثرواتها وإمكانياتها.
صحيفة الدستور الأردنية، 2008/7/8