Home » مقالات » في الطريق إلى إلغاء وزارة العمل

في الطريق إلى إلغاء وزارة العمل

أحمد عوض

التعديل الوزاري الخامس على حكومة بشر الخصاونة، في جانب منه، بعث رسالة بأن الحكومة ماضية قُدما في تنفيذ التوصية التي قدمتها لجنة تحديث القطاع العام قبل أشهر، المتعلقة بإلغاء وزارة العمل، إذ تم تنصيب وزير واحد على وزارة الصناعة والتجارة والتموين إلى جانب وزارة العمل.

هذا يدفعنا مرة أخرى إلى الحديث عن سياق وتداعيات إلغاء وزارة العمل ونقل مهامها وأدوارها إلى وزارات أخرى، وتحديدا وزارتي الصناعة والتجارة والتموين والداخلية. للتأكيد على أن الغاء الوزارة سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف شروط العمل من جهة، وستكون لها نتائج سلبية على أطراف الإنتاج في سوق العمل، أكان العمال أو أصحاب العمل.

قرار إلغاء “العمل” يؤشر على تغيير نوعي في توجهات السياسات الاقتصادية للحكومة الأردنية وخياراتها، وتعبر بوضوح عن خيارات اقتصادية يمكن أن تكون الأشد قسوة في تاريخ الدولة الأردنية من ناحية تحمل الدولة لمسؤولياتها الاجتماعية حيال مكونات المجتمع كافة.

لا يمكن فهم قرار إلغاء الوزارة إلا باعتباره تقويضا جديدا لسياسات سوق العمل في الأردن، وإضعافا لشبكة الحماية الاجتماعية في المملكة، التي يفترض أن نعمل على تعزيزها في هذه المرحلة الصعبة التي يشهدها اقتصادنا الوطني والتوقعات بدخول الاقتصاد العالمي مرحلة ركود لا يعلم أحد مداها، ونحن سنتأثر بها وبتداعياتها، والأَولى الاستثمار في الحمايات الاجتماعية لا إضعافها.

إلغاء وزارة العمل يأتي بعد سنوات طويلة من إضعافها، وسيترتب عليه إضعاف منظومة التفتيش وتنظيم سوق العمل، حيث تشرف الوزارة على تطبيق عشرات الأنظمة والتعليمات والقرارات الناظمة لسوق العمل، وسيترتب على إلغائها “فوضى مركّبة” لا مفر منها في سوق العمل الذي يعاني أصلا من فوضى حاليا.

كذلك، فإن قرار الإلغاء سيضع الحكومة أمام مشكلة تشريعية كبيرة تتعلق بضرورة تعديل عشرات القوانين والأنظمة التي تنيط بالوزارة أدوارا عديدة، ما سيدخِلنا في تخبط تشريعي سنحتاج سنوات طويلة حتى نتخطاه، في الوقت الذي كان يجب تكثيف الجهود لمواجهة المصاعب التي يعاني منها سوق العمل حاليا، وعلى رأسها معدلات البطالة المرتفعة.

إلغاء وزارة العمل يأتي في وقت ليس ببعيد عن إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي التي تقوم أساسا على ركيزتين استراتيجيتين تتمثلان في تعزيز الاقتصاد من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية وعبر قفزات نوعية في النمو الاقتصادي واستحداث فرص عمل لائقة خلال العقد المقبل، مع نموّ مستمر لصافي دخل الأفراد، في حين تتمثل الركيزة الأخرى بالارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين، بينما إلغاء الوزارة سيضعف بشكل كبير القدرة على تحقيق هذه الأهداف.

استمرار العمل وفق فرضية أن إضعاف شروط العمل والحمايات الاجتماعية سيؤدي إلى تحفيز الاقتصاد وجذب الاستثمارات هي فرضية لم يثبت نجاحه في أي دولة في العالم، ونجاحها (المفترض) سيكون قصير المدى، إذ سرعان ما ستتعمق الاختلالات الاجتماعية التي ستهدد استقرار المجتمع، وبالتالي؛ تهدد الأمن الوطني بمنظور شامل.

ندعو الحكومة وسائر المؤسسات السياسية من برلمان وأحزاب سياسية إلى العمل للحفاظ على وزارة العمل وتعزيز دورها وإمكاناتها لتنظيم سوق العمل وحماية معايير العمل وشروطه على أرض الواقع، لأن الحفاظ على معايير العمل اللائق وتطبيقها لا يتعارض مع تعزيز الاقتصاد والاستثمار، وإنما يعززه.

صحيفة الغد الأردنية 2022/10/31