أحمد محمد عوض*
أتيح لي خلال الأعوام الماضية المشاركة في العديد من الاجتماعات التي يعقدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سواء كانت في الاجتماعات السنوية أو اجتماعات الربيع أو الاجتماعات الإقليمية التي عقدت في عمان ومراكش، وكان آخرها الاجتماعات السنوية التي عقدت في جزيرة بالي الإندونيسية الأسبوع الماضي.
ومنحتني هذه المشاركات فرصا للتعرف عن قرب على طريقة عمل هذه المؤسسات المالية الدولية، وعلى وجه الخصوص صندوق النقد الدولي، وكيفية تناوله القضايا الاقتصادية والمالية العالمية والإقليمية وعلى مستوى الدول منفردة.
هنالك العديد من المسائل التي يمكن الكتابة عنها كخلاصة لهذه المشاركات واللقاءات التي يتم عقدها مع خبراء وشخصيات تعمل في مطبخ صناعة السياسات الاقتصادية في الصندوق، وبعض الخبراء المستقلين من خارج هذه المؤسسات المالية، والتي تشكل السياسات المالية محورا أساسيا منها.
العديد من المسائل تتطلب مناقشتها إجراء دراسات علمية موسعة تتناولها بالقراءات التحليلية المعمقة، وأثرها على مستويات التنمية بمختلف أبعادها للدول التي يتم فيها تطبيق السياسات المالية للصندوق، وتقف عند انعكاس هذه السياسات على درجات تمتع مواطنيها بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية الأساسية.
إلا أن بعض هذه المسائل يمكن تناولها في مقالات مكثفة توضح الأطر العامة لهذه السياسات والأدوات المستخدمة لفرضها؛ حيث اللافت للنظر الكيفية التي يجمع فيها صندوق النقد الدولي بين خطابه العام الجذاب الذي نلمسه في بيانات وتصريحات كبار مسؤوليه وخبرائه والتقارير التي يصدرها بشكل مستمر، وبين السياسات المالية و-التوصيات- التي يقدمها على تراجع مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للدول التي تنفذ هذه السياسات.
يتركز خطاب الصندوق المعلن في الوقت الراهن على النمو الاحتوائي -الذي تنعكس نتائجه على مختلف أفراد المجتمع-ومحاربة التفاوت الاجتماعي وتوليد فرص العمل وتوسيع المشاركة الاقتصادية وغيرها من المواضيع المرتبطة بالتنمية المستدامة، في حين أن تجارب غالبية الدول التي طبقت برامج إعادة الهيكلة والتكييف و”الإصلاح” المالي -كما يطلق عليها من قبل خبرائه- انعكست سلبا على مختلف هذه المواضيع.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، لا بل إن الأهداف المباشرة لبرامج “الإصلاح” المالي التي تم تطبيقها خلال العقود الماضية في العديد من الدول لم تحقق أهدافها، وما جرى في الأردن ومصر وتونس والمغرب وفي بعض دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والجنوبية يؤكد هذه الحقيقة؛ إذ إن مستويات العجز في موازناتها العامة وحساباتها الجارية لموازين المدفوعات بقيت مرتفعة، وارتفعت جراء ذلك مديونياتها العامة -الداخلية والخارجية- الى مستويات عالية، وفي أحسن الأحوال العديد من هذه المؤشرات بقيت كما كانت عليه قبل بدء تطبيق برامج إعادة الهيكلة والتكييف الاقتصادي.
والحالات القليلة التي تحسنت فيها عجوزات الموازنات العامة لبعض الدول، كان ذلك يأتي على حساب الإنفاق العام على الحقوق الأساسية للناس في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
وربما يكون الأردن حالة دراسية نموذجية لفشل سياسات الصندوق في إصلاح مسار الاقتصاد؛ إذ ارتبط الأردن منذ ما يقارب ثلاثة عقود بالعديد من برامج إعادة الهيكلة والتكييف المالي -تحت مسميات مختلفة- والنتائج نلمسها جميعا على أرض الواقع؛ حيث التفاوت الاجتماعي المتنامي وانتشار مساحات الفقر وتفاقم عجز الموازنة العامة، وارتفاع الدين العام، ومستويات المشاركة الاقتصادية المتواضعة ومعدلات البطالة المرتفعة، وغيرها من المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية الضعيفة.
*مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية
صحيفة الغد الأردنية، 15/10/2018