أحمد عوض
احتفى العالم في العاشر من الشهر الحالي باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة لمراجعة مختلف أوضاع حقوق الإنسان، وبخاصة المتعلقة بالحقوق الاقتصادية؛ إذ إن مؤشرات تقدم المجتمعات والدول تقوم على مستويات تمتع مواطنيها بحقوقهم الإنسانية الأساسية.
فالدول المتقدمة هي التي يتمتع مواطنوها بمستويات معيشية لائقة، ودخول تغطي نفقاتهم ونفقات أسرهم، وشروط عمل لائقة تحترم إنسانيتهم وكرامتهم، ويمكنهم الوصول الى التعليم الجيد بمختلف مراحله، والرعاية الصحية عالية الجودة بكلف معقولة (لئلا نقول بالمجان).
مؤشرات تقدم الدول والمجتمعات تستند إلى مستويات بطالة وفقر منخفضة، ولديها نظم حماية اجتماعية لمساعدة غير القادرين على العمل، وتمنع وقوع الناس في قبضة الفقر، وتوفر وسائل نقل سلسة تيسر عليهم حياتهم وعملهم.
كما تستند مستويات تقدم الدول والمجتمعات إلى مستويات منخفضة من التفاوت الاجتماعي، حيث تطبق سياسات ضريبية عادلة وتعيد توزيع ثروة المجتمع بعدالة وتمنع تركز الثروات بيد مجموعة محدودة من مواطنيها. في ضوء هذه المعايير، أين نجد أنفسنا في الأردن؟!
للأسف، فإن أداءنا متواضع في مختلف هذه المؤشرات، معدلات الفقر تزداد يوما بعد آخر، حتى وصلت الى 24 بالمائة، وفق آخر أرقام رسمية، وسياسات الحماية الاجتماعية تعتمد منهجيات تستهدف مساعدة الفقراء، دون أن تتدخل لمنع وقوع المزيد من المواطنين في براثن الفقر.
والدليل، أننا ما نزال نستخدم سياسات الأجور المنخفضة في القطاعين العام والخاص، وما تزال حكوماتنا المتعاقبة تساير القطاع الخاص في عدم رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستويات توفر الحياة الكريمة للعاملين والعاملات.
للأسف، الحد الأدنى للأجور، البالغ 260 دينارا شهريا، يلامس نصف خط الفقر للأسرة المعيارية، الذي (وفق أرقام 2017) يبلغ 480 دينارا، وموجات ارتفاع الأسعار متتالية.
ومعدلات البطالة تحلق عاليا، ولا يوجد على المدى المنظور أي آفاق لتوليد المزيد من فرص العمل اللائق، إذ تعيد الحكومات المتعاقبة تطبيق السياسات ذاتها التي لم تسهم في إحراز زيادات ملموسة في فرص العمل المتاحة.
لا حوافز حقيقية لتشجيع القطاع الخاص للتوسع، والنظام الضريبي غير العادل المطبق لا يشجع على تحقيق معدلات نمو اقتصادي شمولي تولد فرص العمل.
منظومة التعليم في الأردن في تراجع مستمر، من حيث جودة مخرجات التعليم من جانب، وقدرة الجميع على الالتحاق بالمؤسسات التعليمية ما بعد المرحلة الأساسية من جانب آخر، وبالتالي تغيب المساواة عن هذه المنظومة، ومنظومة الرعاية الصحية ليست أفضل حالا، فهي في تراجع مستمر، ولا يستطيع جميع المواطنين الوصول الى رعاية صحية جيدة كافية.
وهكذا حال الحمايات الاجتماعية، فما تزال نصف القوى العاملة في المملكة خارج أي منظومة حماية اجتماعية، وغالبية العاملين والعاملات يحلمون بأن تطبق عليهم معايير العمل الواردة في قانوني العمل والضمان الاجتماعي.
أخيرا، بدأنا نتلمس تحسنا في منظومة النقل العام، نأمل بأن يستمر هذا التحسن ليشمل مختلف مناطق العاصمة عمان وباقي المحافظات. أما الحق بالسكن، فإن آخر مشروع إسكان وطني نفذ قبل نحو خمسة عشر عاما.
أوضاع حقوق الإنسان بعامة في الأردن ليست بخير، وتمكين المواطنين من التمتع بحقوقهم يجب أن يكون الهدف الأساسي لأي حكومة، وهذا لن يتحقق إلا بالتعامل مع جميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبارها بوصلة لراسمي مختلف السياسات الحكومية ومنفذيها.
صحيفة الغد الأردنية، 2021/12/12