أحمد محمد عوض
في الوقت الذي يتسم فيه الأردن بقدرة عالية على إنتاج الخطط والاستراتيجيات بمختلف المجالات ومنها الاقتصادية، وهي “سنة حميدة” بجميع الأحوال، إلا أن قدرة الحكومات المتعاقبة على تنفيذها متواضعة جدا، ومصير غالبيتها كان ادراج المؤسسات الرسمية.
وبغض النظر عن مصير غالبية هذه الخطط والاستراتيجيات، وفيما إذا يتم العمل على تنفيذها أم لا، إلا أنها توفر للمؤسسات الدستورية والرقابية والباحثين والمؤسسات السياسية الحزبية والإعلامية وثائق تمكنهم من ممارسة أدوارهم في متابعة ورقابة أعمال الحكومات إن امتلكت هذه المؤسسات الرغبة والقدرة والإرادة لذلك.
ولعل من أهم الخطط والاستراتيجيات التي تم تطويرها خلال السنوات الماضية، الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر والاستراتيجية الوطنية لمواجهة التطرف، إضافة الى مخرجات لجنة الحوار الوطني، وقبلها الأجندة الوطنية، ومؤخرا رؤية الأردن 2025، وخطة التحفيز الاقتصادي وغيرها من الخطط والاستراتيجيات.
ولا نحتاج، كمتابعين وباحثين، لجهد كبير للوقوف على الأسباب التي حالت وتحول دون إنفاذ العديد من هذه الخطط والاستراتيجيات، فجانب منها أعد بمنهجيات غير تشاركية، وبالتالي فإن القائمين على تنفيذها و/أو متابعة تنفيذها ليس لديهم الإحساس بملكيتها، وهذا أحد أهم شروط نجاح تنفيذ الخطط والاستراتيجيات.
وفي بعض الحالات التي كان يتم فيها إجراء مشاورات تحضيرية مسبقة لوضع هذه الخطط، كان المنتج النهائي يختلف عن المدخلات التي كانت تقدم خلال الجلسات التشاورية والنقاشية، ولعل النموذج الأمثل على ذلك رؤية الأردن 2025.
ومن الأسباب التي أدت الى عدم تنفيذ بعض الخطط والاستراتيجيات، أن بعضها يقوم على فرضيات غير دقيقة، مثل حدوث نمو اقتصادي بمعدلات غير واقعية كما هو حال الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وبالتالي لا يمكن توفير فرص تشغيل بمعدلات تسهم بالتخفيف من مشكلة البطالة.
يضاف الى ذلك، أن بعض الخطط والاستراتيجيات كانت تواجه معارضة من بعض المؤسسات الرسمية المعنية بإنفاذها؛ إذ تتعارض مصالح هذه المؤسسات أو الإدارات العليا فيها مع السياسات والإجراءات الواجب تنفيذها في إطار الخطط والاستراتيجيات؛ والأجندة الوطنية والاستراتيجية الوطنية للتشغيل مثال على ذلك؛ إذ تعارضت أهداف وسياسات هذه الخطط في مجال التوسع في التعليم المهني والتقني مع مصالح القائمين على تنفيذها، والذين كانوا يعملون على التوسع في التعليم الجامعي.
ومن العوامل التي أسهمت في عدم الاهتمام في تنفيذ بعض الخطط والاستراتيجيات، أن وجودها يعد أحد شروط الحصول على مساعدات خارجية (قروض ميسرة أو منح)، الأمر الذي يدفع الحكومة الى تطوير هذه الخطط، وسرعان ما يتم إهمالها بعد تحقيقها الهدف الذي وجدت لأجله والمتمثل بالحصول على القرض أو المنحة.
ذلك إلى جانب أن بعض الخطط والاستراتيجيات يتم تطويرها في إطار ظروف سياسية محددة، بحيث يتم استخدامها للمرور من المرحلة السياسية الحرجة، ويتم إهمال جانب كبير من مضمون هذه الخطط بعد تغير هذه الظروف السياسية، ومخرجات لجنة الحوار الوطني نموذج واضح على ذلك.
مجمل العوامل أعلاه لا يلغي أهمية تأثير الصراع بين مؤسسات الدولة المختلفة وترهل القطاع العام وضعف الولاية العامة للحكومات على ضعف تنفيذ العديد من الخطط والاستراتيجيات وإهمالها، الى جانب بعض العوامل الأقل أهمية في هذا السياق.
الخلاصة، علينا أن نحافظ على تقاليد إعداد الخطط والاستراتيجيات وفي مختلف المجالات، ولكن علينا إعدادها بمناهج تشاركية حقيقية، تعكس أهدافنا وأولوياتنا الوطنية التنموية، وعلينا العمل على تنفيذها بشكل دقيق.
ومن المطلوب من المؤسسات الدستورية، وخاصة مجلس النواب بلجانه المختلفة، العمل على مراقبة تنفيذ هذه الخطط والاستراتيجيات، وعلى المؤسسات الإعلامية والأحزاب السياسية مراقبة تنفيذ ذلك أيضا.
صحيفة الغد الأردنية 2018/10/29
