Home » مقالات » المادة (31) من قانون العمل .. العمال هم الضحايا!

المادة (31) من قانون العمل .. العمال هم الضحايا!

أحمد محمد عوض
مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية والمرصد العمالي الأردني

لعل أهم الاختلالات التي يعاني منها سوق العمل الأردني هو غياب التوازن والعدالة بين اطراف علاقات العمل الأساسيين المتمثلين في أصحاب العمل من جهة والعاملين من جهة أخرى.
وقد أدى غياب هذا التوازن والعدالة بين الطرفين الى توتر علاقات العمل والتي عبرت عن نفسها على شكل احتجاجات عمالية، تجاوزت المئات خلال السنوات الثلاث الماضية في مختلف قطاعات العمل في الأردن، أقل من نصفها بقليل يتركز في القطاع الخاص.
ويمكن القول أن أحد الأسباب الرئيسية لغياب هذا التوازن يعود الى أن طرفي المعادلة غير متساويين من حيث قوة التأثير في صناعة التشريعات والسياسات المتعلقة بالعمل، فأصحاب العمل منظمون بشكل جيد، ولديهم ما يقارب 80 منظمة ما بين غرف صناعة وتجارة وجمعيات مهنية ونقابات اصحاب عمل، مقابل حركة عمالية ضعيفة غير منظمة، الأمر الذي أدى الى أن أصحاب العمل تمكنوا من تطوير رؤى واجندات لحماية مصالحهم وهذا حقهم. ولكن مقابل ذلك لم يتمكن العمال في مختلف القطاعات الاقتصادية من تطوير رؤى واجندات لحماية مصالح العاملين بأجر في الأردن. وهذا الأمر مرتبط بتشريعات العمل غير المتوازنة وغير العادلة التي سمحت لطرف بممارسة حقه في التنظيم، وقيدت الطرف الاخر من ممارسة هذا الحق. وهذا الخلل في القوة انعكس على العديد من التشريعات والسياسات والممارسات المتعلقة بالعمل. (وهذا موضوع بحاجة الى نقاش موسع لا تتسع مساحة هذه المقالة له).
وتعد المادة (31) من قانون العمل الأردني والتي اصطلح على تسميتها ” مادة اعادة الهيكلة”، أحدى النصوص القانونية التي تعكس عدم التوازن وعدم العدالة في علاقات العمل لصالح اصحاب العمل، فهي تسمح للأخيرين بالاستغناء عن عدد غير محدود من العاملين لديهم، اذا اقتضت ظروفهم الاقتصادية والفنية تقليص حجم العمل أو استبدال نظام انتاج بآخر او التوقف نهائيا عن العمل، وتركت أمر تحديد صحة ادعاءات اصحاب العمل الى لجنة ثلاثية يشكلها وزير العمل مكونة من أصحاب العمل واتحاد نقابات العمال ووزارة العمل.
وعلى ارض الواقع، شهدنا في الأردن آلاف الضحايا من العمال بسبب سوء استخدام (استغلال) بعض اصحاب العمل لهذا النص القانوني، وتم تسريحهم دون أية حقوق تذكر، وأعداد كبيرة منهم كانوا في عمر لا يسمح لهم بالحصول على فرصة عمل في منشآت اخرى.
ومن منطلق الحرص على علاقات عمل متوازنة، نرى أن اعادة صياغة هذه المادة بطريقة تحفظ حقوق العمال وأصحاب العمل، (خاصة وأن لجنة العمل النيابية تقوم حاليا بدراسة قانون العمل المؤقت رقم (26) لعام 2010، والمادة (31) من المواد قيد المراجعة)، من خلال التمييز بين نوعين من “اعادة الهيكلة”، يتمثل الأول في المنشآت التي تعاني من تعثر وعسر مالي، وبين المنشآت التي ترغب بتطوير أعمالها بأي طريقة تراها الادارة مناسبة، ويتم معالجة حقوق العمال وأصحاب العمل بطريقتين مختلفتين وفقا للحالة.
وبموجب ذلك يتم معالجة حالة المنشآت التي تعاني من تعثر وعسر مالي واداري (بعد التحقق من ذلك حسب الأصول الادارية والمالية المتبعة في هكذا حالات)، بطريقة يتحمل فيها طرفا المعادلة المسؤولية، ويتمكن اصحاب العمل في هذه الحالة من تسريح العدد الذي توافق عليه اللجنة الثلاثية المشكلة من قبل وزير العمل لدراسة الحالة.
أما الحالة الثانية التي تبدي فيها منشآت الأعمال رغبتها في تطوير أعمالها من خلال اعادة الهيكلة ويتطلب ذلك الاستغناء عن عدد من العاملين لديها، فيتم التعامل مع حقوق العاملين واصحاب العامل بطريقة تحفظ حق العاملين الذين ترغب ادارة المنشأة الاستغناء عنهم من خلال تخصيص مبالغ محددة في اطار خطة التطوير واعادة الهيكلة التي  تعمل عليها المنشأة كتعويضات للعاملين، بحيث لا تقل هذه التعويضات عن تعويضات من يتم تسريحهم من العمل تعسفيا وفق المادة (25) من قانون العمل ذاته.
واعتقد أن هذا الاجراء عادل ومتوازن، فمن حق منشآت الأعمال أن تستغني عن خدمات بعض العاملين لديها اذا اقتضت عمليات تطويرها وتحديثها ذلك، ولكن عمليات التطوير هذه يجب أن يرافقها تخصيص مبالغ لتعويض الضحايا المفترضين لعمليات التطوير والتحديث.
وأرى كذلك، ان مثل هكذا تعديلات من شأنها الى جانب تعديلات أخرى في قانون العمل أن تخفف من حدة الاختلالات والتوترات في علاقات العمل وبالتالي تخفف من الاحتجاجات العمالية، وتساهم في تعزيز بيئة عمل مستقرة تحفظ حقوق مختلف الأطراف بعدالة.