أحمد محمد عوض
في الوقت الذي قدم فيه العديد من دول العالم للأردن توصيات محددة ودقيقة في مختلف قضايا حقوق الإنسان خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل، الخميس الماضي، إلا أنه بدا لافتا ضعف التوصيات في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
الاستعراض الدوري الشامل هو آلية دولية يجريها مجلس حقوق الإنسان العالمي لجميع دول العالم وبشكل دوري كل أربع سنوات تقريبا، يتم خلالها تشخيص حالة حقوق الإنسان في هذه الدول، ويشكل الاستعراض فرصة للدولة (أي دولة) لفحص سياساتها وممارساتها وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ويشارك عادة في عملية التشخيص عدد كبير من المؤسسات ذات العلاقة، مثل -حالة الأردن- المركز الوطني لحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني الأردنية وغير الأردنية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، سواء كانت تعمل داخل الأردن أم خارجه، الى جانب تقديم الحكومة تقريرا تظهر فيه تقييمها لحالة حقوق الإنسان.
شهدت الدورة الأخيرة للاستعراض الدوري الشامل زخما كبيرا؛ حيث تم تقديم 36 تقريرا من أصحاب المصالح من منظمات مجتمع مدني أردنية وعالمية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، عرضت فيها بالتفصيل حالة حقوق الإنسان في الأردن بمختلف المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبقراءة سريعة للتوصيات التي قدمتها 95 دولة شاركت في عملية الاستعراض والتي تجاوز عددها 200 توصية، احتلت الحقوق المدنية والسياسية مساحة واسعة فيها؛ حيث تم التركيز على قضايا إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة، وحماية الأطفال من الزواج المبكر وعمالة الأطفال، وضمان حرية الرأي والتعبير والإعلام وإلغاء التوقيف الإداري (قانون منع الجرائم) وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، ووقف التعذيب وإعادة النظر بتعريفه ومحاسبة الذين يمارسونه، بالإضافة الى إزالة العقبات أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وتسهيل إدماجهم في الحياة والعمل، الى جانب حماية العمال المهاجرين.
وفي الوقت ذاته، كانت التوصيات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية محدودة وعامة، مع أن إعمال هذه الحقوق لا يقل أهمية عن إعمال الحقوق المدنية والسياسية، وشكلت في الأردن وغيرها من الدول سببا أساسيا في تراجع المستويات المعيشية لغالبية الناس، وهي المتمثلة بشروط عمل مرضية وعادلة ومجانية التعليم وجودته، والرعاية الصحية الشاملة والجيدة والسكن اللائق والغذاء والمياه والضمان الاجتماعي، وغيرها من الحقوق المزدوجة مثل الحق في التنظيم (الجمعيات والنقابات).
الا أن ورود -ولو توصية واحدة- حول حق معين، كفيل بتسليط الضوء عليه؛ حيث وجهت للأردن توصيات عامة حول تحسين منظومة التعليم والرعاية الصحية، وقدمت توصية مباشرة وواضحة حول ضرورة تعديل تشريعات العمل وفق معايير العمل الدولية بما في ذلك الحق في تشكيل النقابات، وأخرى تتعلق بإصدار نظام خاص للعمال الزراعيين.
هذا العدد الكبير من التوصيات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية يعكس أولويات الفاعلين في النظام العالمي (الليبرالي النزعة) وزيادة اهتمامهم بقضايا محاربة التمييز وحماية الحريات العامة وحرية الإعلام، وتقديم ضمانات للمحاكمات العادلة، وإلى جانب ذلك تعكس أيضا ضعف اهتمامهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تعنى بقضايا تقديم الحمايات الاجتماعية الشاملة من صحة وتعليم وعمل لائق وغيرها من الحقوق ذات الأهمية الكبيرة.
نقترح على الحكومة الأردنية وهي في مرحلة تقييم التوصيات، قبول أكبر قدر ممكن منها، لأن في قبولها مصلحة وطنية عليا لتعزيز حالة حقوق الإنسان في الأردن، التي يفترض أن تكون هدفا أسمى للجميع، خاصة وأن عدم الموافقة على بعض التوصيات لا يعفي الحكومة من عدم الالتزام فيها أمام الأردنيين وأمام المجتمع الدولي، فالدولة الأردنية استكملت عملية المصادقة على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العام 2006.
صحيفة الغد الأردنية، 2018/11/12