Home » مقالات » الإصلاح الاقتصادي و الإصلاح السياسي

الإصلاح الاقتصادي و الإصلاح السياسي

أحمد عوض

تثبت تجارب الأمم المتنوعة أن المجتمعات الأكثر تطوراً واستقراراً في الجانب الاقتصادي ، هي المجتمعات التي تتمتع بمستوى عال ومتنوع من الحقوق المدنية والسياسية ، وأن المجتمعات التي تعاني من مشكلات وأزمات اقتصادية واجتماعية يدفع ثمنها الغالبية الساحقة من أبنائها ، هي المجتمعات التي تفتقر للحقوق المدنية والسياسية.

إن تعميق وتنويع الممارسات الديمقراطية يمكن المجتمع من تشكيل أحزاب سياسية قوية وفاعلة تتنافس على خدمته ، وتمكن المجتمع أيضاً من اختيار القائمين على إدارة مختلف شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وكذلك يحاسبهم حال فشلهم في تنفيذ برامجهم. ومن شأن تعميق الديمقراطية أيضاً تصحيح مسارات الإصلاح الاقتصادي ، والذي يعني بالضرورة انعكاس عائدات النمو الاقتصادي على مختلف فئات المجتمع ، بعيداً عن تقسيم المجتمع الى طبقة صغيرة متضخمة بالمنافع ، وأخرى تشكل الغالبية الساحقة ، يتراجع مستواها المعيشي و دورها داخل المجتمع سنة بعد أخرى.

ومن شأن تعميق الممارسات الديمقراطية وتنويعها داخل مكونات المجتمع ، تمكين مختلف فئاته وشرائحة من تنظيم نفسها على قاعدة المصالح المشتركة ، وتخلق حالة من الشراكة الحقيقية بين مختلف هذه الفئات من خلال وصولها الى حالات من التوازن المرنة داخل المجتمع ، فالنقابات العمالية”المستقلة والمنتخبة بحرية”ستمكن العمال وممثليهم من التفاعل والتصارع السلمي مع أصحاب العمل وممثليه من جمعيات ونقابات أصحاب العمل”المستقلة والمنتخبة بحرية أيضاً”ليصلوا في النهاية الى حالة من التوازن الاجتماعي تحقق فيها كل جهة أهدافها ومصالحها دون الإضرار بمصالح الجهة الأخرى.

إضافة إلى ذلك ، فإن تنويع وتعميق الممارسات الديمقراطية سيضع جميع المواطنين تحت القانون بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وستضع حداً للامتيازات التي تتمتع بها فئة دون أخرى ، وبالتالي سيتمكن جميع المواطنين من الحصول على حقوقهم. وستضع حدوداً لمختلف ممارسات الفساد الاداري والمالي التي تسلب المجتمع خيراته وانجازاته ، وستمكن مؤسسات الدولة والمجتمع من ملاحقة من يمارسون الفساد بكفاءة وفاعلية عالية.

إن جميع مشاريع تطوير الدولة والمجتمع التي تم تصميمها خلال العقدين الماضيين بدءاً من “الميثاق الوطني” ، ومروراً”بالأردن أولاً” و”الأجندة الوطنية” ، وانتهاء ب “كلنا الأردن” ، أكدت على مركزية الاصلاح السياسي في تطوير واصلاح الدولة والمجتمع ، وخاصة الإصلاح الاقتصادي الذي يتعامل معه ويتلمس المواطنون مخرجاته يومياً.

الخلاصة ، إذا ما أريد للاقتصاد والمجتمع الأردني أن يتقدم بخطى ملموسة ، ويتجاوز العديد من مشكلاته الأساسية والملازمة له منذ عقود ، وإذا ما أريد لمعدلات النمو الاقتصادي التي يحققها الأردن منذ سنوات أن تنعكس إيجاباً على مختلف فئات وشرائح المجتمع ، وإذا ما أريد لمبادرات التطوير الإداري الأردنية أن تحقق أهدافها ، فالطريق تبدأ بالمضي قدماً أمام تطبيق خطوات نوعية في إطار روح الإصلاحات السياسية التي تقدمت بها مختلف مشاريع تطوير الدولة والمجتمع الوطنية سابقة الذكر ، وفي ضوء ما يجري من ممارسات سياسية في دول العالم المتقدم الذي نعبر عن إعجابنا به يومياً.

صحيفة الدستور الأردنية، 2008/7/3