أحمد عوض
أخذ التوسع في استخدام السجائر الإلكترونیة كطریقة بدیلة لتدخین السجائر التقلیدیة لدى قطاعات واسعة من المستھلكین في اثارة مخاوف الحكومات في العدید من دول العالم التي تعتمد إیراداتھا الضریبیة على الرسوم الجمركیة (ضریبة غیر مباشرة).
ومع أن عملیة التحول ھذه بدأت منذ ما یقارب خمسة عشر عاما، إلا أن مختلف التقدیرات تشیر إلى أن ھنالك عملیة ھجرة واسعة خلال السنوات القلیلة الماضیة للتخلي عن تدخین السجائر التقلیدیة باتجاه الإلكترونیة.
ویعود ھذا التسارع إلى أن تكلفة استخدام السجائر الإلكترونیة اقل كلفة على المستھلكین (المدخنین) مقارنة مع التكلفة العالیة التي یتحملھا المدخنون جراء استخدام السجائر التقلیدیة، بعد أن توسعت الحكومات في مختلف دول العالم في فرض الضرائب علیھا، لتصل إلى مستویات تزید على 100%، إلى جانب ما یتم تداوله من معلومات تفید أن مخاطر السجائر الإلكترونیة أقل من مخاطر السجائر العادیة.
ویبدو أن عالم صناعة التبغ سیشھد تغییرات كبیرة خلال السنوات القلیلة القادمة في العالم جراء عملیة التحول ھذه، وسیشمل ذلك مختلف سلاسل الامداد المرتبطة به، بدءا من زراعة التبغ مرورا بصناعته وانتھاء بتسویقه، لذلك بدأت الشركات العالمیة العملاقة في ھذا المجال بالاستجابة التدریجیة لھذه التحولات من خلال العمل على تصنیع السجائر الإلكترونیة إلى جانب السجائر التقلیدیة. ویعد الأردن من الدول التي تأثرت بشكل كبیر جراء ھذه التحولات، حیث تراجعت الإیرادات الضریبیة على السجائر، ما سیؤثر سلبا على عجز الموازنة العامة للدولة للعام الحالي والسنوات القادمة، اذ أعلنت الحكومة قبل أسابیع عن تراجع الإیرادات الضریبیة على السجائر خلال النصف الأول من العام الحالي 2019 بما یقارب 110 ملایین دینار مرشحة للزیادة مع الأیام، وتبلغ مجمل الإیرادات المتوقعة في الموازنة العامة للدولة من السجائر ما یقارب ملیار دینار، بواقع 13 بالمائة من مجمل إیراداتھا.
ویعود ذلك إلى سببین أساسیین، یتمثل الأول في أن الأردن یعد من بین أعلى الدول في العالم في استھلاك التبغ بكافة أنواعھ كنسبة مئویة لعدد السكان، والسبب الثاني یتمثل في الاقتطاعات الضریبیة العالیة جدا على ھذه المنتجات.
لقد آن الأوان أن تدرك الحكومة أن استمرار الاعتماد على إیرادات ضریبیة عالیة على السجائر أصبح من الماضي، إذ أن الاتجاھات المستقبلیة في مختلف أنحاء العالم ومنھا الأردن، تشیر إلى أن المستقبل للسجائر الإلكترونیة، والتي ستؤدي إلى تقلیل استھلاك السجائر التقلیدیة بشكل ملموس.
ولا نغفل ھنا الإشارة إلى الجانب الأسود من ھذه الصناعة، إذ أن منطق الاقتصاد الصحي یفید انه مھما ارتفعت الإیرادات الضریبیة على مجمل صناعة التبغ بمختلف أنواعھا ومراحلھا بما فیھا السجائر الإلكترونیة، فإن غالبیتھا سیذھب لتغطیة الانفاق الصحي الحكومي والخاص على علاج الأمراض التي یسببھا التدخین بمختلف أنواعه.
ومجمل ما یتم تداوله عالمیا ومحلیا حول تفضیل استخدام السجائر التقلیدیة أو الإلكترونیة على الأخرى، یخضع بشكل كبیر للمنافسة بین الشركات المنتجة للدخان بنوعیه، لأن المراجع الصحیة العالمیة المختلفة تؤكد أن التدخین بأنواعه المختلفة مضر جدا بالصحة، ویموت بسببه سنویا ما یقارب ثمانیة ملایین إنسان.
وبذلك، فإن المصلحة الاستراتیجیة الكبرى للحكومات وفي مختلف أنحاء العالم ومنھا حكومتنا تقتضي العمل بجدیة وبمختلف السبل لمحاربة مجمل صناعة الدخان التقلیدي والإلكتروني، وتقتضي كذلك عدم الخضوع لنفوذ الشركات الكبرى في العالم التي تتاجر بصحة البشر.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/9/2