أحمد عوض
تعكس مؤشرات الدين العام الحكومي جانباً من الإستراتيجية التي تعتمدها الحكومة في إدارة الدين العام التي اعتمدت منذ سنوات ، وتتلخص في إجراء عملية “إحلال” الدين الداخلي محل الدين الخارجي ، وتخفيض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
وهذه الإستراتيجية وإن كانت تعمل باتجاه تعزيز الاستقلال الاقتصادي والوطني ، وتقلل من حجم التبعية للاقتصاديات الدولية ، إلا أنها لا تقلل من حجم الدين العام بالأرقام المطلقة ، وخدمته التي تترتب على خزينة الدولة سنوياً ، وتزيد من حجم العجز في الموازنة العامة للدولة.
فمنذ سنوات تعمل الحكومة على المحافظة على مستويات الدين الخارجي ، وتعويض جانب من عجوزات الموازنة العامة من خلال الحصول على تمويل محلي “داخلي” بواسطة إصدار سندات وأذونات الخزينة إلى جانب بعض الأدوات النقدية الأخرى.
وقد استفادت هذه الإستراتيجية من معدلات النمو الاقتصادي الجيدة خلال السنوات الماضية لتخفيض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. حيث انخفضت النسبة 98 بالمائة في عام 2003 إلى ما يقارب 59 بالمائة في نهاية تموز الماضي حسب تقديرات الحكومة للناتج المحلي الإجمالي.
إلا أن هذه النسبة لا تعكس واقع حجم الدين العام ، فقد كان رصيد الدين يرتفع بشكل متواصل ، وخلال السنوات الخمس الماضية فقط ، ازداد بما يقارب نصف مليار دينار أردني بعد تنفيذ اتفاقية سداد بعض الديون مع دول نادي باريس التصديرية في النصف الأول من العام الجاري ، والتي تم بموجبها تسديد 1,6 مليار دينار ، إلا أن جزءاً كبيراً من هذا الانجاز لم ينعكس على الرصيد القائم للدين العام ، بسبب الارتفاع الكبير في حجم المديونية الداخلية والتي زادت بما يقارب المليار دينار خلال الأشهر السبعة الأولى فقط من العام الجاري ، الأمر الذي رفع رصيدها القائم إلى ما يقارب 4 مليارات دينار ، حسب نشرة مديرية الدين العام في وزارة المالية.
ولأن ارتفاع حجم الدين العام يعد أحد أهم المشكلات التي واجهت وما زالت تواجه الاقتصاد الأردني ، لما يترتب عليها من أعباء كبيرة تضغط على الموازنة العامة من خلال تخصيص مبالغ كبيرة سنوياً لتسديد أقساط هذا الدين والفوائد المترتبة عليه. فإن الأولوية ينبغي أن تتجه نحو تخفيض حجم الدين العام بالأرقام المطلقة ، وذلك يبدأ بتخفيض الإنفاق العام الكبير وغير المبرر لدولة فقيرة مثل الأردن.
الأمر الذي يدفع بالضرورة باتجاه تخفيض عجز الموازنة وبالتالي يقلل من فرص التمويل بالاستدانة. كذلك العمل على تحويل جانب من المساعدات الخارجية نحو تسديد الديون ، إلى جانب التقليل من النهم الواضح والملموس للحصول على ديون داخلية ، والعمل على الاستمرار في سياسة عقد اتفاقيات شبيهة باتفاقية نادي باريس ، بالإضافة إلى إقناع الدول الدائنة بإلغاء بعض ديونها.
صحيفة الدستور الأردنية، 2008/9/14